في استطلاع سابق لمركز «بيو» لأبحاث الرأي العام حول الحرب الامريكية على العراق قال بيو: "لقد خاضت القوات الأمريكية تلك الحرب في عام 2003 لأسباب خاطئة حيث ثبت بالدليل القاطع أن العراق لم يكن يمتلك صواريخ طويلة المدى وأسلحة دمار شامل، كما لم يكن النظام العراقي مرتبطا بشكل أو بآخر بتنظيم القاعدة، أو بأي هجمات تم شنها على الولايات المتحدة أو حلفائها، وكل ما حققه الغزو الأمريكي هو تدمير لقدرات الجيش العراقي على ردع إيران دون أن يكون لدى الولايات المتحدة أي خطة واضحة لاستعادة الأمن والنظام من خلال نظام حكم ديمقراطي لا يستهدف عزل وتهميش السّنّة".
ويروي في ذات الاتجاه قائد في الجيش الامريكي، ان العراقيين احتفلوا في مطار بغداد، بانزال العلم الامريكي عام 2011، بانسحاب القوات الامريكية من العراق، وان القيادات السياسية فيه آنذاك كانت مختلفة تماما حول الاتفاقية الامنية، بعد مرور 9 سنوات من الوجود الامريكي، الا ان شعوري منذ البداية، بأن هذا البلد مقدم على مزيد من الفوضى، وان ايران ستشعل فتيل الفتنة الطائفية فيه، ليأكل الأخضر واليابس، لأنها تصدر أزماتها الداخلية عبر العراق، وان امريكا فشلت في حربها في العراق، وانكشفت أكثر بانها دولة قتلت مليونا ونصف مواطن عراقي لاسباب واوهام ايديولوجية وميثويولوجيا دينية.
اتفاق مسبق
لم تمض سنوات على احتلال العراق في 19/3/2003، حتى بدأت المعلومات والحقائق تتكشف يوما بعد يوم عن وجود اتفاق امريكي ايراني مسبق منذ عام 2001، على التعاون الامني والاستخباري بين الطرف الامريكي والايراني، والذي كان يدير حلقاته الخارجية السفير صادق خرازي، شقيق وزير الخارجية الايراني الاسبق كمال خرازي، وان زلماي خليل زادة الذي كان مسؤولا في دائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الامريكية، ومسؤول التنسيق مع الجماعات والتنظيمات المتشددة في الثمانينيات، كانت تربطه علاقات وثيقة مع دوائر مقربة من الخميني عندما رحل الى باريس تمهيدا لتسليمه الحكم في ايران، كان زاده قد طور علاقاته مع الايرانيين وتحديدا مع الوزير الحالي محمد جواد ظريف الذي كان يعمل ضمن البعثة الايرانية في الامم المتحدة، وانه وفي العام 2001 تم فتح خطوط اتصال بين المخابرات الامريكية والايرانية لدعم التوجهات الامريكية في افغانستان، ولم تعارض ايران، بل فتح ابواب ايران لعبور الطائرات الامريكية لضرب طالبان في افغانستان.
اللافت للانتباه ان التعاون الاستخباري الامريكي الايراني في افغانستان، لم ينف وجود معلومات استخباراتية امريكية حول وجود اتصالات ايرانية مع تنظيم القاعدة منذ عام 1996، لان الهدف الايراني كان يعمل على ضرورة اخراج القوات الامريكية والغربية المتحالفة من افغانستان، وقد دعمت ايران العديد من الفصائل الافغانية المقاتلة والمتقاتلة، بالمال والسلاح وايضا اوجدت المأوى لهم ولافراد اسرهم، ودخلت مع العديد منهم باتفاقات سرية، على اعتبار انهم يعملون ضمن هدف استراتيجي واحد وهو طرد الامريكان من افغانستان، وان امريكا هي مستودع الشر، وان علينا ان نتجاوز خلافاتنا المذهبية باتجاه هدف مشترك واحد وهو اخراج امريكا وعدم تمكينها من البقاء واقامة قواعد عسكريه في افغانستان، ولهذا كانت محاضرات محمد مصطفى نجار وزير الداخلية الايراني الاسبق، ترى أن الاتفاقية الامنية بين افغانستان والناتو ستكون على حساب ايران، وان علينا ان نمنع عقد مثل هذه الاتفاقية.
إدانة إيران
الوثائق الامريكية الصادرة مؤخرا عن المحاكم الامريكية والتي تدين ايران في تدريب الخلايا الارهابية، وبخاصة اعضاء خلية هجمات سبتمبر 2001، تكشف ايضا أن الجانب الامريكي مارس براغماتية عالية جدا مع الايرانيين، حيث استغلهم للقضاء على حركة طالبان وتسهيل مهمة القوات الامريكية، والدعم اللوجستي للقوات الامريكية، حيث تشير وثائق الادانة إلى علاقة كل من علي خامنئي وحسن نصر الله ودعمهما تدريب هذه المجموعات للقيام بالاعمال الارهابية في امريكا، يوضح المحلل في الاستخبارات الامريكية فلايت ليفيرت، أن ايران من أولى الدول التي أدانت تفجيرات نيويورك، وان الخارجية الامريكية استجابت للنداء الايراني بالانفتاح والاتصال السري مع ايران، ويضيف ليفيرت ان الايرانيين كانت تغمرهم السعادة بالاتصال السري معهم، وقد ابلغوه انهم على استعداد تام لتقديم كافة وسائل الدعم للعمل ضد تنظيم القاعدة وطالبان في افغانستان، وان الايرانيين اطلعونا على حجم نفوذهم داخل افغانستان ومجموعة علاقاتهم المؤثرة والتي يمكن الاستفادة منها.
الضابط الامريكي الذي كان شاهدا على الانسحاب الامريكي من العراق، كان من بين الضباط الذين اشرفوا على الدعم اللوجستي للقوات الامريكية في افغانستان، والتحضيرات العسكرية، وانه كان دائم الاتصال مع قيادات عسكرية وامنية ايرانية هذه الفترة، ويشير الى أن الرئيس الايراني محمد خاتمي لم يسبقه رؤساء قبله في ادانة التفجيرات الارهابية، وصب سخطه كاملا على تنظيم القاعدة، مع اشارات غير مباشرة إلى أنه تنظيم سني، ويشير لقد صدر تعميم سري يوقف بموجبه كل الشعارات المعادية لامريكا، على اعتبار انها في حالة حرب وانفعال وانها اصبحت على الحدود مع ايران، وان هذا الامر يحتاج قدرا من الحكمة لان دخولهم افغانستان تهديد للامن القومي الايراني، فالايرانيون، وجدوا مبررات لاقناع جمهورهم باسباب وقف العداء الموقت لامريكا، حيث لم يعد شعار الموت لامريكا يذكر في خطب الجمعة، كما ادان حينها محسن أرمين نائب رئيس مجلس الشورى الايراني تفجيرات نيويورك الارهابية واعتبرها عملا اجراميا غير مقبول، ووقع 165 عضوا في المجلس على وثيقة اعربوا فيها عن تعاطفهم الكبير مع الشعب الامريكي في محنته، متجاوزين الخلاف مع امريكا، في هذا الوقت الاستثنائي، لا بل وذهب الايرانيون بعيدا، عندما قدموا معلومات استخباراتية عن بعض من وردت اسماؤهم في عمليات التفجير الارهابية، لكسب الود والرضا الامريكي، وطالب اعضاء مجلس الشورى، بحملة دولية لمكافحة الارهاب، وبعث حينها محمد عطريا نفر رئيس مجلس مدينة طهران، ورئيس بلدية طهران مرتضى الويري، برسالة مشتركة الى عمدة مدينة نيويورك رودولف جولياني، قالوا فيها لقد تألمنا كثيرا للاعمال التي طالت الابرياء، وراح ضحيتها المواطنون وان هذه الاعمال لا تستهدف نيويورك فحسب وانما كل دول العالم، آملين التعاون لاستئصال الارهاب من جذوره.
اجتماعات سرية
في فترة الاستعداد للحرب على افغانستان، قام مساعد وزير الخارجية الامريكي ريان كروكر بعقد العديد من الاجتماعات السرية مع المخابرات الايرانية في باريس وجنيف، وكان صادق خرازي صلة الوصل هو ومحمد جواد ظريف مع الاستخبارات الامريكية للتنسيق الثنائي، ويذكر كروكر أنه ما ان عرض على ظريف التنسيق بين البلدين حتى اجابه بأنهم يرحبون بذلك، لكن عليه ان يبلغ طهران بذلك، واللافت للانتباه ان الايرانيين قدموا اربعة انواع من المساعدات للامريكان في افغانستان، واحاطوا ذلك بشيء من السرية المقصودة، وكانت هذه النقاط، مساعدة الجيش الامريكي على طول الحدود مع افغانستان وداخلها وتشمل فرق بحث وانقاذ واستطلاع، وتقديم المساعدات الانسانية واللوجستية المطلوبة، وتزويد الجيش الامريكي باحداثيات ومواقع طالبان والقاعدة ليقوموا بقصفها، وقدمت ايران خدمة الاتصال والتنسيق مع الجماعات الاثنية والعرقية الرئيسية للتفاوض معها اثناء الحرب للمساعدة في الاطاحة بحركة طالبان، وتبني دعم تحالف الشمال.
في مؤتمر بون عام 2001 وبعد الاطاحة بطالبان وتنصيب حكومة افغانية، ومداولات ومشاورات مع القوى الافغانية، كانت ايران موجودة، حيث ضغطت على تحالف الشمال لتقليص مطالبه، ولكنها طالبت بضرورة ادخال فقرات في الاتفاق حول محاربة الارهاب، وفي الوقت الذي كانت امريكا تتعاون مع ايران لمحاربة الارهاب، كانت ايران تمد اليد للجميع من طالبان والقاعدة وتحالف الشمال وكافة المتناقضات الافغانية، واصبح الامريكان في افغانستان، رهينة للسياسة الامريكية، وقد عبر عن ذلك محسن رضائي الامين العام الاسبق لمجمع تشخيص مصلحة النظام بقوله ان طريق دخول امريكا الى افغانستان كان عبر ايران وكذلك طريق خلاصها، والتخلص من الازمة الافغانية يحتاج إلى التعامل مع ايران، ولم تمض اشهر حتى اشاد المبعوث الامريكي الخاص جيمس دوبنز بالدور الايراني الكبير فيما يتعلق بالازمة الافغانية، وكذلك قال خبير الاستخبارات فلايت ليفيريت، ان اجتماع بون ما كان لينجح ويحقق أهدافه لولا التعاون الايراني، واضاف ان تعاونهم الاستثنائي كان ضمن اتفاق وتعاون اكبر بين ايران وامريكا، وعندها جاء دور زلماي خليل زادة في دائرة التخطيط السياسي الخارجي، ليقدم اقتراحا للادارة الامريكية، بأنه ونتيجة للدور الايراني الكبير والمنطقع النظير كما جاء بالنص في الحرب على افغانستان في مرحلة تاريخية حرجة من تاريخنا، والحل السياسي ومؤتمر بون، فاننا نرى أن هناك ثمة فرصة حقيقية لقيام تعاون كبير بين ايران والولايات المتحدة، واقترح ان تؤسس العلاقات في البداية، على تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتنسيق المشترك على الحدود، والعمل المشترك ضد تنظيم القاعدة، وقال زلماي في تقريره لقد منحنا الايرانيون معلومات استخباراتية متميزة طيلة فترة تعاونهم السابقة، ودعم هذا المقترح المخابرات الامريكية، ومنسق مكافحة الارهاب في البيت الابيض وايني داونينغ، وكان مدير دائر التخطيط السياسي انذاك ريتشارد هاس فيما كان زلماي مسؤولا عن التنيسيق الخارجي وتحديدا في المناطق المجاورة لافغانستان، وهذا ما يشير الى جزء منه في كتابه الاخير المبعوث.
هدف التنازلات
كانت تقديرات الاستخبارات الامريكية تشير إلى أن الهدف الايراني الرئيس من التعاون الاستخباري ان ايران تحاول دفع الادارة الامريكية لشطبها من سجلات ولائحة محور الشر، هي وبعض الدول، وان علينا ان نستغل هذه النقطة للحصول على تنازلات أكبر، فيما كانت الرؤية الايرانية، تفيد أن الادارة والمؤسسات الامريكية تعيش في حالة صدمة كبيرة، وانها على استعداد للسعي وراء اية معلومة يمكن ان تقدم لهم وبما يشفي جراحهم الداخلية، حيث كانت الاستخبارات الايرانية قد طلبت من سفاراتها في الخارج برصد كافة المعلومات حول الارهاب وتفجيرات نيويورك، والعمل على دعم توجهات الرأي العام العالمي وتعبئته باتجاه القاعدة وطالبان والسعودية، واستطاع الاعلام ان يكون مؤثرا في السياسات الامريكية ولسنوات طويلة، وكانت ايران وبتعاون سري مع الموساد الاسرائيلي وبعض قوى اللوبي الايراني في مراكز الابحاث الامريكية، قد قدمت العراق بانه الجائزة، التي تنهي الرهان الامريكي على الخيار السني في العالم الاسلامي لصالح الخيار الشيعي.
ولم تصمت ايران على ما تم بينها وامريكا، فهم يعلمون بضرورة احراج امريكا وابتزازها دائما عندما تبدأ امريكا بالخلاف السياسي مع ايران، حيث ذكر هاشمي رفسنجاني في 9/2/2002 بان على الامريكان ان يعلموا ويتذكروا بأنهم لم ولن يستطيعوا اسقاط طالبان لولا مساعدتنا لهم، ومشاركتنا لهم. وفي 15/3/ 2002 اكد رئيس مجلس الشورى الايراني محسن أرمين بان الاتصالات الايرانية الامريكية كانت قائمة طيلة فترة الحرب على افغانستان، وان بعضها جرى في ايران والبعض الاخر في عدد من الدول الاوروبية.
التراجع في العلاقة كانت مع فترة صعود اليمين المتطرف في الادارة الامريكية، ولكن شخصيات مثل كوندليزا رايس كانت مع فتح خطوط اتصال مع ايران، وقد بدأت رايس سلسلة من الاتصالات مع ايران وأدواتها في المنطقة، لكن التيار اليميني تراجع عن تنسيقه العالي مع الايرانيين ما دفع بالاستخبارات الايرانية لاعادة الاتصال بتنظيم القاعدة الذي كان بحاجة ماسة للدعم والايواء، رغم ان الايرانيين كانوا يبررون ذلك للامريكان، بأن هذه المعلومات تهدف إلى زعزعة عوامل الثقة المتبادلة والتي نشأت بين الطرفين، وزيادة في بناء الثقة دعا الايرانيون الى ايجاد مكتب للتنسيق المشترك على الحدود مع افغانستان، وزيادة عدد القوات الايرانية الحدودية، لا بل ان الايرانيين طلبوا من مكتب التنسيق الامريكي تزويدهم باسماء الاشخاص المطلوبين ليتم تعقبهم، خاصة وان لدى الطرف الامريكي شكوكا تحوم حول وجود اتصالات ايرانية مع القاعدة على عكس ما يوحي الايرانيون لهم، وادت الشكوك المتبادلة لان يعلن خامنئي بان المفاوضات بين البلدين عديمة الفائدة.
اذا كانت ايران قد ساعدت الامريكان في افغانستان للحصول على اعتراف امريكي يؤدي الى رفع اسم ايران من على لائحة محور الشر، وفتح خطوط اتصال استخباراتية بين البلدين، يكتشف كل منهما الآخر، ويعمد خلال هذه الفترة على بناء منظومة ثقة ومصالح متبادلة، فان التفكير الايراني كان أبعد من ذلك بكثير لان الرصد الايراني للسياسة الامريكية اشار الى ان الامريكان في حالة أزمة وجرح داخلي، وان لديهم رغبات دفينة بادارة الصراع الدولي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ولصالحهم، وان هذا الامر قد التقطته الاستخبارات الايرانية وعمدت الى تعظيمه وتوجيهه لصالحها، فقد كانت تعتقد بأن وجود طالبان في افغانستان وصدام حسين في العراق يعني حالة ضعف استراتيجي لها، وانه من المتوقع ان يكون صدام على علاقة مع طالبان او القاعدة لتعزيز حالة الضعف والوهن الايرانية، وان المساهمة في انهيار طالبان، يعني المساهمة في انهيار نظام صدام، بحيث يعطي ايران عوامل قوة أكبر للتأثير في الامن العراقي، وظلت الفترة منذ عام 1990، فترة بناء المشهد العراقي خاصة بعد انتهاء ايران من حرب طويلة مع العراق 1980-1988، وانها لن تنسى لصدام حسين انتصاره على ايران وجعلها توافق على وقف اطلاق النار كمن يتجرع السم، وظلت فرصة التعاون الامريكي الايراني قائمة، حتى قرر الامريكان عام 2002 بأن الحصار الاقتصادي الذي دام 13 عاما قد وصل ذروته في العراق، وان العراق لم يعد مؤثرا كالسابق، وان وجود التنظيمات الشيعية في ايران من شأنه ان يساعد الامريكان للانتهاء من صدام، كانت الحرب على العراق فقط للاعلان عن مشهد جديد لولادة تنظيم دولي احادي القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واحداث 11 سبتمبر 2001، وقدم الايرانيون معلومات ووثائق ولقاءات بين الامريكان ومقربين من القاعدة، فقط لادانة صدام حسين.
في اغسطس 2002 قام زلماي خليل زادة وهو من المحافظين الامريكان ولكنه حاقد على الدول العربية والاسلامية، قام بعقد سلسلة من اللقاءات والاتصالات والاستخبارات الايرانية، مرات كانت في جنيف ومرات أخرى كانت في افغانستان، على شكل رسائل متبادلة، وتعززت الدبلوماسية السرية، وهي التي تجيدها طهران جيدا، وتم بحث غزو امريكا للعراق، وتم الاتفاق على النقاط التالية، وهي اعتبار أي طائرة امريكية تستخدم الاجواء الايرانية عند الضرورة طائرات صديقة، وان اي طيار او جندي يهبط في الاراضي الايرانية او بحوزة مجموعات تحت السيطرة الايرانية يسلم للجهات الامريكية، ان تنتظر ايران قيام الطيران الامريكي والتدخل العسكري لاشراك التنظيمات العراقية المتواجدة في ايران، وهو ما وافقت عليه ايران، غير انه لم تلتزم بعدم استغلال التدخل الامريكي لاثارة الفوضى خشية منها ان يتوقف التدخل عند حدود معينة لا ترغب بها ايران او ان يؤسس ذلك لتدخل مستقبلي في ايران، وحصلت ايران على وعد أمريكي بعدم مهاجمة امريكا لايران بعد العراق، وعدم اعتراض مصالحها في العراق، وعمل الايرانيون باغراق امريكا في العراق، وادخلوا الميليشيات الدينية، وفي ذات الوقت نقلت ايران اعضاء في تنظيم القاعدة للعراق، وساهمت في توفير السلاح للمقاومة العراقية عبر مصادر سورية وايرانية غير مباشرة، عمدت الى تعزيز الوجود الامريكي في العراق من جانب، ومن جانب اخر، عملوا على استهدافه بقوة، مما اضطر الجانب الامريكي لبحث امكانية عقد صفقة مع ايران عام 2003، وهو ما كانت تخطط له ايران، على اعتبار انها ذات نفوذ كبير في العراق، رغم ان الايرانيين كانوا يهدفون ان تكون الصفقة شاملة على حساب العراق تتضمن الملف النووي الايراني ودورها في المنطقة، وتقديم اغراءات للجانب الامريكي، بان ايران قادرة على توفير مناخ ملائم لتحقيقات استخباراتية تجريها امريكا مع قيادات في تنظيم القاعدة تحفظت ايران على تواجدهم عام 2002، فيما كان صادق خرازي يصوغ مسودة الاتفاق الامني والصفقة الايرانية الامريكية من مركز اقامته في باريس بعد ان وافق خامنئي على شروط الصفقة، وتم ارسال نسخة منها عبر السفير السويسري في ايران تيم غولدمان الذي كانت بلاده ترعى المصالح الامريكية، لتعزيز الثقة والطمانينة لدى الجانب الامريكي.
الاعتراف بإسرائيل
اللافت ان العرض الايراني كان لافتا للاهتمام الامريكي، وتضمن التالي: ان الحكومة الايرانية على استعداد تام في حال تم التوصل الى الصفقة الشاملة مع الولايات المتحدة ان تقوم بالاعتراف باسرائيل، والتنازل عن الملف النووي، والتوقف عن دعم حزب الله، مقابل الاعتراف الامريكي بايران كقوة شرعية اقليمية، وفي 2/5/2003 وصلت نسخة من الوثيقة الى السفير جواد ظريف وتم تسليمها باليد الى زلماي خليل زادة، واضافت ايران ايضا بأنها ستعمل على تسليم واشنطن كافة ارهابيي تنظيم القاعدة، والعمل مع الجانب الامريكي ضمن استراتيجية دولية لمكافحة الارهاب، وطالبت ان يشمل ذلك تسليمها مجاهدي خلق المعارضة التي وضعتها ادارة كلينتون على لائحة الارهاب بهدف تحسين العلاقات مع ايران.
ويتضح مما قبل أن جميع الاوراق الايرانية في الخارج كانت ايران تقدمها كأداة من ادوات تفاوضها دائما، فقد عرضت مبدئيا لتطبيق الوثيقة اعلاه حال الاتفاق مع امريكا، بأن تساهم مع الادارة الامريكية في ادارة العراق، وتحقيق الامن والاستقرار فيه، والتراجع عن تطوير اسلحة الدمار الشامل، وعدم دعمها لحركة حماس والجهاد الاسلامي، وتحويل حزب الله من منظمة عسكرية الى حزب سياسي مدني، واعلان ايران دعمها للمبادرة العربية للسلام وحل الدولتين بحدود 1967، شريطة ان تعلن امريكا انهاء الاعمال العدائية ضد ايران، وازالتها عن لائحة محور الشر، ورفع الحصار الاقتصادي، وتوقيع اتفاقية مع ايران فيما يتعلق بالجانب النووي، وحصول ايران على اعتراف رسمي امريكي باعتبارها قوة اقليمية، وكانت موافقة ايران على الاعتراف باسرائيل ضربة قاسمة للمحافظين الجدد، الذين كانوا يتهمون ايران بالعمل على تدمير اسرائيل، ولعل السبب الامريكي في عدم التعاطي مع العرض الايراني يتمثل في عدم جديته ومراوغة ايران، وانه محاولة ايرانية لابتزاز الادارة الامريكية انذاك، وجزء من عمليات تبديد الوقت، كما انه تم بطرق غير رسمية ومباشرة، وان الايرانيين قاموا بعرض انفسهم بقيمة اكبر مما يستحقونها في النظرة الامريكية، وان الامريكان لا يملكون ان يمنحوا ايران حق الوصاية على المنطقة والاعتراف بهم قوة اقليمية، غير ان تفجيرات الرياض وايواء ايران المخططين لها، وعدم تسليمها قيادات القاعدة، وتذرع ايران بأنها لا تستطيع مراقبة حدودها الواسعة، ما اضطر الادارة الامريكية إلى الغاء اللقاء الامريكي الايراني 21/5/2003، بعد فترة مميزة من الاتصالات الدبلوماسية السرية.
الذكرى 13
تأتي مناسبة هذا الموضوع، مع مرور ايام على الذكرى 13 للغزو الامريكي للعراق، والذي تعود فيه الكرة مرة أخرى الى ملعب الشعب العراقي الرافض للهيمنة الايرانية، ومحاولات ايران من جديد عقد المساومات والصفقات على حساب الشعب العراقي خاصة مع الشعور الامريكي بالفشل الذريع في العراق، حيث يشير انتوني كوردسمان الى فشل امريكا في ايجاد هيكل محدد للنظام السياسي في العراق بسبب التسرع الأمريكي في صياغة دستور وإجراء انتخابات دون تمهيد مناسب للمجتمع العراقي. واخفاقها في إعادة تمكين القوات المسلحة العراقية من الوصول بقدراتها إلى المستوى الكفيل بردع إيران ويشكل ذلك خطأ استراتيجيا فادحا، وعدم وجود خطة إستراتيجية للتعاون مع دول الخليج العربية من خلال تشكيل قوة أمريكية متقدمة تتعاون مع قوات الدول العربية الحليفة في إيجاد رادع بديل لإيران.