ليس جديدا على المملكة العربية السعودية أن تمد جسور الإخاء والبناء، وليس جديدا عليها أن تنتقي خطاها وتوجهها في دروب الخير والمحبة والسلام، ولعل هذا ما يجعل بركات الله تحفها في كل حين.
بالأمس الأول انتهت الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، ومنها تجلت للمتابعين صورة أخرى للطريق الذي اختارت المملكة أن تسلكه، بعد لحظة الحزم الأولى لصالح منطقة الخليج العربي من الخطر الذي كان يتربص بها شرا، وحتى لحظة العزم التي وضعت كفها في كف مصر وتعاهدتا على الخير، فأثمر اللقاء خيرات كثيرة للسعودية ومصر أولا، ولكل العرب والشأن السياسي العربي والإسلامي عامة. زيارة ملخصها «هنا الرياض»، التي تنطلق منها رسائل الخير واحدة بعد أخرى، منذ أن بات عبدالعزيز المؤسس ليلته الأولى في المصمك وحتى وقف سلمان بن عبدالعزيز في مصر معززا للعروبة ووحدة الصف وتبادل الخيرات والخبرات بين البلدين.
اليوم نقول في كل مكان وبكل فخر: هنا الرياض، حيث يصدر كل قرار سياسي من شأنه أن يؤكد ما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين في البرلمان المصري «إن العمل ضمن تحالف مشترك يجعلنا أقوى» هذه القوة النقية بنقاء صلاح النوايا هي قوة بناءة، لا تشبه قوى الشر الذي امتطته بعض الدول وعاثت في الأرض فسادا، وشتان ما بين تحالف يبنى على عهد أخوي واع بين الدول، وتحالف خائب بين دولة ومجموعة من الرعاع في دول أخرى، شتان ما بين تحالف للإحياء، وآخر يتحالف مع صناع الإرهاب والشر الذي لا يستقيم له أمر؛ لأن الله «لا يصلح عمل المفسدين» حتى وإن حاولوا مرة بعد أخرى.
اليوم وفي عز الظلام والتخبط الذي يخيم على بعض الدول العربية، نجد المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تقدمان درسا قويا لكل المتخاذلين عن صناعة الحياة لشعوبهم تحقيقا لأطماعهم الخاصة!
في زيارة تاريخية تعددت فيها المشاريع بتعدد الوزراء الذين صحبوا سلمان بن عبدالعزيز لمصر وبقلوبهم وعقولهم قبل حقائبهم حفنة من المشروعات والاتفاقيات الضخمة، التي تحقق معاهدة عمادها حب الخير والإنماء والبناء، فمشروع «جسر الملك سلمان» سيغير الخارطة الدولية، وتتغير معها سيناء، فتنهض بين قارتين عظميين؛ لتجسد معنى هذا الاتحاد السعودي المصري بكل الخيرات التي سيتبادلها البلدان على جسر تشكله لبنات الحب. وأسترجع هنا شطر بيت لغازي القصيبي في حفل افتتاح «جسر الملك فهد» الذي طار بالواحات للجزر حين قال:
ضرب من الحب أم درب من الحجر...
نعم، إنه الحب الذي رافق تلك الزيارة التاريخية من الرياض إلى القاهرة، فهي زيارة تستهدف الإنسان والحياة الطيبة له من جميع الجوانب، قبل أن تستهدف الصورة السياسية العامة، فهي تسعى لتحقيق الأمن والاستقرار، ونمو الاقتصاد الدولي والفردي، فمن شأن تلك الاستثمارات الضخمة في مشروع الجسر والمنطقة الاقتصادية الحرة وغيرها من المشاريع أن تسهم في إيجاد آلاف من فرص العمل الجديدة، وتعالج كثيرا من المشكلات الاجتماعية والأمنية التي عانت منها شبه جزيرة سيناء.
انتهت زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر، لتبدأ العلاقات السعودية المصرية انتفاضة أسدين تتجدد بها علاقاتهما السياسية والاقتصادية لتقفا معا بقوة وثبات فيتحقق التوازن في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي، وقفة تخرس كل الألسن العميلة للشر الذي كان يتربص بالمنطقة، والذي بات واضحا اليوم أنه يتراجع بجبن وخذلان ولا يملك سوى اللغط. فتلك الزيارة لم تحمل الخير للبلدين فحسب بل إلى كل عربي شريف يدرك حجم الخطر الذي كان يحدق بالأمة العربية والإسلامية. ولا عزاء لدول تاهت خطاها وتعثرت في وحل الوهم الإمبراطوري، فلا هي أفلحت في سعيها الواهم ولا هي أفلحت في صناعة الحياة لأبنائها فزادت أحوالهم سوءا حتى عجزوا عن رفع فضلاتهم من حولهم.
انتهت زيارة مصر، وبدأت زيارة تركيا، التي تهدف لتعزيز القوة الإسلامية السوية، وستبدي لنا الأيام ما هو متوقع من المملكة التي ستظل راعية للخير والسلام والبناء، وتركيا التي حافظت على العلاقة الثنائية الصحية رغم الاختلاف في وجهات النظر حول كثير من القضايا الراهنة.