سوف نتناول بالحديث في عدة مقالات متتابعة (بإذن الله) عن القضاء المستعجل (الدعاوى العاجلة أو المستعجلة)، في ضوء نظام المرافعات الشرعية الجديد الساري بالمملكة، وذلك ببيان تعريفه وتحديده، وطبيعته وأهم شروطه، وأهم حالاته وانواعه، وإجراءاته ومدده ونختم بالحديث عن اهم خصائص الحكم المستعجل وحجيته.
فالقضاء المستعجل يعرف بأنه نوع من القضاء يتولى الفصل العاجل في حق من الحقوق لأحد الخصوم، في واقعة يخشى عليها من تغير حالها، او فوات الوقت، فيما لو اتبعت بشأنها الاجراءات العادية، وهو صورة من صور الحماية القضائية، وهو اجراء مؤقت لا يمس اصل الحق.
ويقصد به حماية حق من الحقوق لأحد الخصوم، حماية عاجلة، بإجراءات خاصة سريعة، ليتدارك بها المدعي حقه عندما يكون أمام خطر يداهم حقه ويهدده بالزوال، قبل ان يتحصل على الحماية القضائية العادية امام القاضي العادي، لان التقيد بالإجراءات القضائية العادية امام المحاكم الى حين الفصل في النزاع قد تأخذ به الدعوى وقتاّ طويلا، وفى خلال هذا الوقت قد تزول حقوق، وتتغير احوال الكثير من معالم النزاع.
مع ان الفصل في بعض الدعاوى على صفة الاستعجال، قد يفوت على الخصوم حقوقا اخرى بسبب عدم التأني والبحث عن وجوه الحق في الخصومة، لذلك فقد راعت بعض الانظمة القضائية هذه الظروف، وما تؤول به بعض القضايا بسبب الاستعجال، فقصرت اختصاص القضاء المستعجل على اتخاذ إجراءات وقتية او تحفظية، حماية للحق الى ان يتم الفصل في الموضوع حسب النظام والإجراءات القضائية العادية.
وقد جعل نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/1 وتاريخ 22 /01 /1435هـ في مادته الخامسة بعد المائتين أنه يكون نظر الدعاوى المستعجلة امام نفس القاضي الذى ينظر في موضوع الدعوى الاصلية - وذلك بخلاف معظم الانظمة القضائية المقارنة التي تجعل قاضيا مختصا بنظر الدعاوى المستعجلة مستقلا تماماً عن القاضي الذى ينظر في موضوع الدعوى الأصلي ويسمى قاضي الامور المستعجلة-.
واما طبيعة القضاء المستعجل فإنه لا يقوم على الفصل في الخصومات والحكم فيها بحكم ينهي النزاع، وانما هو بطبيعته حكم وقتي لا يحسم النزاع نهائيا، ولا يحوز حجية الامر المقضي، ويجوز تعديله او الغاؤه حسب مقتضيات الاحوال، ويكون مصيره معلقا بموضوع الدعوى الاصلية القائمة او التي سوف تقام، ولهذا قالوا: «ان الحكم في القضاء الوقتي لا يهدر حقا، ولا يكسبه».
وهذا ما أكدته الفقرة الاخيرة من المادة (205 من نظام المرافعات الشرعية ) بالنص على الآتي (ولا يؤثر هذا الحكم على موضوع الدعوى سواء رفع طلب الحكم بالاجراء المؤقت مباشرة، او تبعا للدعوى الاصلية).
اما أهم شروط القضاء المستعجل:
الاول: ألا يمس أصل الحق، لا بشكل الدعوى ولا بالحكم الصادر فيها، فلو كان شكل الدعوى المستعجلة يتصل بأصل الحق، فللقاضي ان يحكم برفضها وبطلانها شكلا من تلقاء نفسه.
فلهذا يجب على القاضي في الدعاوى المستعجلة ألا يتعرض لأصل الحق مطلقا، بل يمتنع عليه أن يبني حكمه على نتيجة بحث في أصل الحق، او فحصه لمستندات الخصوم، ويبنى على ذلك خطأ القاضي ناظر الدعوى المستعجلة لو انه عين المدعى في اصل النزاع، حارسا على المدعى به، بناء على ما ثبت عنده من انه مالك للعين محل النزاع.
وانما له أن يعين حارسا قضائيا مؤقتا على العين المتنازع على ملكيتها، حتى يعرض النزاع على القاضي للفصل في الموضوع واصل الدعوى.، وبعد عرض اصل الموضوع على القاضي للفصل فيه، فله في هذه الحالة أن يؤكد الحراسة القضائية او ينهيها او يعدلها حسب ما يظهر له ذلك.
ويجوز للقاضي ناظر الدعوى المستعجلة ان يبحث في المستندات للحق المطالب به، اذا كان يريد ان يعرف، ويستوضح وجه الصواب في الطلب المعروض عليه، لمعرفة طبيعة النزاع هل هو موضوعي، او وقتي وعاجل، فاذا تبين له ان الفصل في الدعوى يستلزم منه التعرض لأصل الحق، فيجب عليه الحكم بعدم قبول الدعوى او الطلب او النظر فيها كطلب عاجل، لأنه لا يجوز له النظر في موضوع الدعوى بقصد اثبات الحق، او نفيه، الا عن طريق الدعوى العادية وإجراءاتها، وبيناتها.
الثاني: أن يكون هناك احتمال بحدوث ضرر نتيجة تأخير اثبات الدليل بحيث يكون هذا الدليل عرضة للزوال الذى لا يسترد ضرره،بعد اقامة الدعوى الموضوعية بنظر الحق واصل الدعوى، وبشرط ثبوت هذا الاحتمال وحدوث الضرر نتيجة التأخير.
الثالث: ان يكون احتمال حق المدعى في اصل الحق قائما، عند التقدم بالدعوى المستعجلة، وذلك منعا لاستغلال الدعاوى المستعجلة كذريعة للدعاوى الباطلة والكيدية.
والمثال على ذلك هو تقدم احد الاشخاص بدعوى مستعجلة بعدم التعرض للحيازة، فيقدم الخصم له اتفاقية تنازل وصلح على محل النزاع، وباطلاع قاضى الدعوى المستعجلة على اتفاقية الصلح والتنازل، فيجدها صحيحة شرعا ونظاما.
اما اهم حالات وانواع الدعاوى المستعجلة: فإنها وردت نصا في المادة السادسة بعد المائتين بنظام المرافعات الشرعية السابق حيث ذكرت المادة (تشمل الدعاوى المستعجلة الآتي: أ- دعوى المعاينة لإثبات الحالة، ب- دعوى المنع من السفر، ج- دعوى منع التعرض للحيازة ودعوى استردادها، د- دعوى وقف الاعمال الجديدة،هـ- دعوى طلب الحراسة، و- الدعوى المتعلقة بأجرة الاجير اليومية، ز- الدعاوى الاخرى التي يعطيها النظام صفة الاستعجال).
وهذه الحالات والانواع على سبيل المثال وليس الحصر، لان نص المادة ذكر في اول عبارة منه كلمة «تشمل» والتي يستفاد من معناها وتفسيرها ان تلك الامثلة الواردة في نص المادة هي امثلة على اهم واغلب الدعاوى المستعجلة وهذا ما اكده صحيح نص المادة (206 فقرة 3) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية عندما فصلت وبينت الفقرة «ز» من المادة 206 حيث نصت على الآتي (يدخل في الدعاوى المستعجلة كل ما يخشى عليه فوات الوقت ومنها :أ- طلب رؤية صغير او تسليمه، ب- طلب الحجر على المال، ج- اثبات شهادة يخشى فواتها).
فبتفسير نص اللائحة نجد انها وضعت ضابطا لذلك فقط، وهو أن أي دعوى يخشى عليها فوات الوقت فهي دعوى مستعجلة، وتعطى صفة الاستعجال وذكرت اهم تلك الانواع والحالات كأمثلة على هذا الضابط فقط، والمثال على ذلك كالدعوى باستدراك ومنع ضرر محدق، مثل طلب اجراء اعمال ترميمات عاجلة للدور السفلى لمنع تداعيات سقوط الادوار العليا، اذا كانت الحال تستدعى الاستعجال وذلك في الادوار المتعددة بين ملاك متعددين.
فهذا المثال يعد من الحالات والدعاوى التي يتطلب نظرها صفة الاستعجال، حتى لا يترتب ضرر كبير نتيجة التأخر في ذلك.
ولأنه ليس من المتيسرعلى المنظم حصر حالات وانواع الدعاوى المستعجلة، سواء التجارية منها، او الاحوال الشخصية، او العامة، لذا تم النص على ضابط لها وهو فوات الوقت، وتُرك التقدير لاجتهاد الفقه والقضاء.
وسوف نتناول في المقال المقبل (بإذن الله تعالى) بالشرح والتوضيح والتفصيل تلك الحالات والانواع الواردة في المادة (206 مرافعات) وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.