DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

بيروت المحبة

بيروت المحبة

بيروت المحبة
من قصيدة لنزار قباني بعنوان «إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار» يقول: كان لبنان لكم مروحة تنشر الألوان والظل الظليلا كم هربتم من صحاراكم إليه تطلبون الماء والوجه الجميلا واغتسلتم بندى غاباته واختبأتم تحت جفنيه طويلا ... إن يمت لبنان متم معه كل من يقتله كان القتيلا كل قبح فيه قبح فيكم فأعيدوه كما كان جميلا هذا جزء من نص كتبه نزار ضمن ما كتب عن بيروت حين كانت تحترق في اليوم الواحد ألف مرة، حين كانت تُحرق وتَحرق جمالها وجمال الحياة بها بمنتهى الرعونة. في ذاك الجزء لمن وجه الشاعر خطابه: «كم هربتم من صحاراكم إليه»؟ كالعادة فالإنسان في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي المتهم الأول لا لشيء إلا لأنه ابن الصحراء الغنية الذي يحب الأوطان الخضراء الباردة فيرتحل إليها ويمنحها شيئاً من روحه وماله ويتعلق بها ويدافع عنها حتى وإن كان عدوها هو ابن الأرض نفسه. كم من مرة أساء نزار قباني وغيره للصحراء واعتبروها نقطة عار في تاريخ إنسانها العريق ورأوا أنه لا يستحق الحياة الرغيدة التي وهبها الله له طالما أنه ابن للصحراء!! ولكنهم حين يشعلون الحرائق في أوطانهم يسارعون لطلب العون من ابن الصحراء لإصلاح ما أفسدوه!! يطلبون حكمته للعلاج ويطلبون ماله للإصلاح، وكم من مرة ومرة أفسدوا وقتلوا وحرقوا مدائنهم وأنقذتهم عناية الله ثم حكمة وأموال أبناء الصحراء فمن كان سيتصور أن يعود وجه لبنان الجميل بعد تلك الحرب الأهلية البشعة لولا لطف الله ثم حكمة رجال الصحراء. قرأت ذاك النص، فسألت نفسي ماذا لو عاد الشاعر للحياة ورأى لبنان تخوض حرباً باردة بسبب أبنائها؟ وماذا لو رأى لبنان التي عاد إليها أبناء الصحراء منذ سنوات ليشاركوا في بنائها، ويشغلوا فيها أموالهم ويشتروا فيها المساكن لتحيا لبنان وينتعش الفلاح وابن المدينة بأموال أبناء الصحراء السائح منهم والمستثمر؟، ماذا سيقول اليوم وهو يرى أبناء لبنان يقفلون الأبواب على لبنانهم وكأنهم يستحثونها لشنق نفسها من جديد بتحريض منهم حين أقفلت أبواب الحب والسلام وفتحت أبواب الشر والتسلط الأهوج؟!! لقد كرهنا ومللنا تلك الأسطوانة الحمقاء الابتزازية التي تتندر بنا متى ما راق لهم ذلك ثم يصرخ أصحابها ويرفعون أصابع الاتهام ضدنا في الوقت الذي يطلبون فيه النجدة منا!! لقد رأى نزار قباني لبنان حين كانت تحترق في السبعينات ورآها كل من قال بقوله ذاك من العرب ثم رأوها وهي تستعيد الحياة والشباب والجمال فأين كان دور أبناء الصحراء في المقامين؟ أوكلما أشعلوا الحرائق جاءوا إلينا يصرخون مستجيرين فإذا عم السلام سخروا وهزأوا؟. اليوم لبنان لا تحترق ولكنها تحتضر أو ربما ما زالت تسكب البنزين على أطراف ثيابها استعداداً لانتحار جديد نأمل ألا تفعله. لبنان الجميلة لا تستحق هذا العقوق من أبنائها. لبنان الجميلة تستحق الحياة الأجمل التي لا يرتفع فيها صوت أحمق مسلح ليرعبها، ولا تستحق أن يتبرأ منها أبناؤها ويلقوا بها على أبواب ملاجئ الصحراء. فما عادت عواطفنا تكسر بالأكاذيب التي أدمنوا عليها وما عادت الصحراء تشرع أبوابها لكل خطّاء في حقها. فإذا كانت بيروت للمحبة والسلام فهذا لن يكون إلا حين تحافظ على ما تبقى منه وتعضده بزرع جديد في أرضها ولا تسمح لثلة من أبنائها الحمقى أن يدمروه. قال نزار في مقدمة ديوانه: «اتهمنا الاستعمار بالكفر، فلما تحررنا منه كنا على أنفسنا أشد كفراً وتغزلنا بالحرية فلما رأيناها عارية أمامنا طار صوابنا فأكلناها. حاربنا الفكر البوليسي فلما أتيح لنا أن نحكم كنا أشد بوليسية من كل بواليس العالم!!». بالنسبة لي هذا القول لا يؤكد حقيقة ما يحدث اليوم في الدول التي ذاقت ويلات الاستعمار ولكنه أيضاً يؤكد حقيقة نضج أبناء الصحراء في التعامل مع الأحداث سابقاً ولاحقاً ومستقبلاً بإذن الله وسيبقى اللائم يتلوى بلومه والحاقد يحترق بحقده وستبقى الصحراء رحبة ومعطاء إن لم يكن بما على أرضها فبما في جوفها من كنوز لطالما مدت للذين لم يحسنوا التعامل معها فاحترقوا بها!!