في الستينات والثمانينات كان بيتر كريغان يشجع اصدقاءه على الانتقال الى سيليكون فالي، معقل التكنولوجيا الرقيمة مغريا اياهم برواياته عن مجالات العمل المجزية ماليا في صناعة تشهد ازدهارا عظيما. الا انه خسر عمله كمهندس شبكات اتصال في احدى شركات الاتصالات عن بعد الكبيرة في شهر آب 2001م وهو لا يزال عاطلا عن العمل هذا المبرمج العريق الذي بلغ الثالثة والاربعين من عمره يحث اليوم ابن شقيق له في الثامنة عشرة على البقاء في شيكاغو ويحاول ان يثنيه عن رغبته في ان يدرس العلوم او الهندسة الكومبيوترية.
يقول كريغان الذي يعيش في اوكلاند: قلت له، يا اوليس انك تسعى الى ذلك سعيا وراء خوض مجال المبيعات لا تفعل ذلك انه سيعجز عن العمل في مجال التصميم وبناء الاشياء لان كل هذه الوظائف التكنولوجيا تسير باتجاه متعاقدين باجور قليلة نسبيا او عاملين يتم توظيفهم محليا في الهند والصين وروسيا وبلدان نامية اخرى. لقد بات نزيف الوظائف التكنولوجية بعشرات الالوف في السنوات الاخيرة واستقرارها في ايد اقل كلفة في الخارج حقيقة حياة بل، كما يقول القيمون الامريكيون امرا (محتما) على غرار هجرة الوظائف التصنيعية في الثمانينات الماضية الى جنوب شرق آسيا وامريكا اللاتينية. بيد ان ثمة موجهة هجرة تكنولوجية جديدة تشمل وظائف تتطلب مهارة اكبر - ربما بدات تقصم ظهر الصناعة التكنولوجية (الرقيمة) مما ينذر باطالة امد التراجع الاقتصادي الامريكي الذي اصبح في سنته الثالثة. البعض ممن يعارضون هذه التوجهات التي تلقى استحسان عمالقة هذه الصناعة من امثال هيوليت باكرد واي.بي.ام وديل ومايكروسوفت، يعتقدون انها في النهاية قد تضع حدا للهيمنة الامريكية في المجال التكنولوجي. لقد بدا تصدير مجالات ذات التكنولوجية متدنية المستوى المتعلقة بتخزين المعطيات ومساندة التجهيزات الى اسواق العمل الرخيصة في الخارج منذ حوالي العشر سنوات رغبة من مديري الشركات في الحد من التكاليف الا انهم الآن يصدرون الوظائف ذات الاجور العالية والتي تتطلب مهارات كبيرة في مجال تطوير البرامج الكومبيوترية- وهي وظائف ومناصب كانت تعتبر تابعة فطريا لسليكون فالي والمحاور التكنولوجية الاخرى مثل سياتل وبوسطن واوستين في تكساس.
ويشبه النقاد ما يجري ليس بتصدير وظائف خطوط تجميع السيارات فحسب بل وظائف الهندسة الاساسية وتصميم السيارات ايضا. لقد انتقلت حوالي 27.000 وظيفة تكنولوجية الى الخارج في العام 2000 كما جاء في دراسة اعدتها مؤسسة فورستر للابحاث في شهر تشرين الثاني الماضي.
وتكهنت الدراسة بان عدد الوظائف المهاجرة سوف يرتفع الى 472.000 وظيفة مع حلول العام 2015 بنفس الوتيرة المحمومة الحالية.
ويحتوي موقع مايكروسوفت على الانترنيت على قائمة بعشرات الوظائف المراكز الشاغرة في حيدر اباد وهي وظائف يحتاج بعضها الى خبرة خمس سنوات واتقان عدة لغات كومبيوترية وشهادات جامعية في علوم الكومبيوتر وهي مختلفة جدا عن وظائف التسويق عن بعد التي صدرتها الشركة الى الفلبين وبلدان اخرى في مطلع التسعينات. ويقول البعض ان ارسال هذه الوظائف الى الخارج قد يؤدي الى ركود اجور الاجراء التكنولوجيين في امريكا. احتساب علاوات التضخم تنامت بنسبة 1.7 في المائة بين الربع الاخير للعام 2001 والربع الاخر للعام 2002م بما لا يكفي لمجارة نسبة التضخم التي بلغت 2.2 في المائة خلال الفترة ذاتها. يبلغ متوسط اجور وعلاوات الكومبيوتر في الهند 20 دولارا بالساعة مقابل 65 دولار يحمل نفس الدرجة العلمية ويتمتع بنفس الخبرة حسب مؤسسة كاب جيمناي ارنست اند يونغ. ويقول بعض مديري الشركات الامريكيين انهم ببساطة لا يستطيعون تجاهل عمال الكومبيوترات الاجانب خاصة في الهند التي تخرج سنويا 350 الف طالب من كلياتها الهندسية. ويقول آخرون ان عبقرية المبادرة الفردية الامريكية كامنة في ان قادتها لديهم قدرة كبيرة على تخيل التوجهات التالية - ومقدرة العاملين على اعادة تحديد الادوار الوظائفية واعادة التدريب وهم يشددون على ان التطورات الامريكية الرائدة في مجالي النانوتكنولوجيا والبيوتكنولوجيا ستتوفر لهم ضمانات عمل اكثر من المبرمجين العاديين. وقال بوب برايور رئيس قسم ظاهرة التهجير الوظيفي في جاب جميناي ارنست اند يونغ انه من السخافة التفكير بان تهجير وظائف السوفتوير قد يقضي على السيطرة التكنولوجية الامريكية. واضاف برايور: في الحقيقة نعيش في عالم تنافسي مع لاعبين عالميين، ويتوجب علينا ان نبحث عن النقاط التي نتمتع فيها بحسنات استراتيجية- في الموارد او المهارات، هذا يحرر الكثير من الاشخاص والدولارات ليؤدوا خدمات استراتيجية ذات قيمة مضافة للزبائن.