DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الصومال المنسي

الصومال المنسي

الصومال المنسي
مررت مؤخرا ومن خلال رحلة تفقدية لبعض المشاريع الأممية الإنسانية بالصومال، هذا البلد العربي المسلم المبتلى بأبنائه والذي دخل نفقا مظلما منذ خمس وعشرين سنة ولم يخرج منه حتى الآن. فنظرة على الصومال القديم تعطي انطباعا عن عظمة هذا البلد الذي كان يخصص أُعطيات الحرمين والمسجد الأقصى بشكل سنوي. وكان من أماني أجدادنا حتى وقت قريب أن يستثمروا ويتاجروا في الصومال بلد الماشية والسمك والعطور والأخشاب والصمغ العربي والسمسم والفواكة الاستوائية وخيرات كثيرة يضيق المجال بذكرها. فقد ورد أن العطور كانت تُجلب للملكة كليوبترا من بوساسو في أقصى الشمال الصومالي. وكانت السفن التجارية تأخذ قسطا من الراحة والتبضع في السوق الكبيرة الرائجة في بربرة وهرجيسا وكيسمايو. أما عدد سكان الصومال فينيف على الخمسة عشر مليون منهم ثلاثة ملايين خارج الصومال. ويعتبر الشاطئ الصومالي من أطول الشواطئ اللازوردية في أفريقيا فطوله يزيد على الثلاثة الآف كيلا ويحوي من الخيرات ما الله به عليم. أما الأرض، فتعج وتضج بالثمرات. فقد زرت مزرعة في ضواحي مقديشو تخيلت نفسي أني كما لو كنت في غابات الأمازون الاستوائية لشدة الاخضرار ولوفرة الفواكه والمحاصيل حيث يشقها نهر شوبيلا الذي يبلغ طوله أكثر من ألفين وخمسمائة كيلومتر. وحتى في ظل هذه الظروف القاسية والمؤلمة، يظل ميناء بربرة من أكبر الموانئ تصديرا لملايين رؤوس الماشية. وللمعلومية، فإن عشرين بالمائة من جمال العالم تعيش في الصومال!. يبدأ الصومالي بحفظ القرآن في الثالثة من عمره ويختمه في السابعة ومن العيب في الصومال أن يوجد بينهم من لا يحفظ القرآن! والحقيقة أني أصاب بالذهول لما أقرأ هذا التاريخ المضيء والحافل بالمآثر والمكارم في بلد عربي مسلم بنسبة مائة بالمائة، ولا يوجد ما يفرق أهله إلا عقول متحجرة أبت إلا أن تقتل أهلها وتجعل من حياتهم نكدا مستداما وترجع بالبلد لدياجير ظلمة حالكة. فالواقع الحالي، وما أدراك كم هو بئيس هذا الواقع، فهو ليس ما يسر الخاطر ولا يطرب الفؤاد. فبعد أن كان الصومال بلدا واحدا مهاب الجانب ومُصان السمعة، أصبح مصدرا لكل ما هو مؤلم ومثير للشفقة. تتقاسم الصومال حاليا سبع حكومات ساهمت في تقطيع أوصال الوطن وتحويله لمراتع بؤس وغياهب ظلامية أسيفة. ففي مقديشو مثلا، ولما يرخي الليل سدوله، تتحول الأحياء إلى نظام (كلن إيده أُله) ويتوجب علينا الرجوع لما يسمى بالفندق (والذي هو أقرب للثكنة منه إلى الفندق) قبل المغيب وإلا فنسبة أن يخرج المرء من (كيس أهله) كبيرة جدا! وفي الليل لا نستطيع النوم لأن (فندقنا) قد يكون هدف الليلة في حفلة قتل جنونية لا نستطيع تفسير سببها أو معرفة كُنهها. والغريب بالأمر أن نسبة كبيرة من الذين يقومون بالعمليات الانتحارية (ويا ليتهم انتحروا وحدهم فحسب، وإنما قرروا أن يصطحبوا الأبرياء معهم في هذه الحفلة الجنونية) هم من صوماليي المهجر ومن حاملي جنسيات الدول المتحضرة، حيث ولدوا هناك وترعرعوا في مجتمعات حضارية أكرمتهم ومارست معهم تكافؤ الفرص بعدل تام. وقد تألمت كثيرا وأنا أرى شبابا كالرياحين همهم الوحيد أن يحملوا البندقية، ويتمنطقوا بالأحزمة ويمارسوا حقهم في حفلة الشواء البشري وبكل جنون وهوس. ولعل من المنح الربانية التي اتضحت جليا أثناء الرحلة هي نعمة الأمن والأمان والتي لا يعرفها الا من فقدها وتلظى بشررها. اللهم اهد شباب الأمة واجعلهم عُمارا لأرضك دعاة لخلقك بالحكمة والموعظة الحسنة واجبر مصاب الأمة ببنيها.