لا اعرف دواعي خاصة للكتابة فلست ممن تلهمهم المواقف وتحفزهم للبوح على الورق، ولكني إنسانة ضمن المجتمع تؤنسها الأسرة والعلاقات الاجتماعية الحميمية، ويوحشها التطرف والمغالاة في التصنيفات ووضع الأمور في غير نصابها، أصافحكم عبر حروفي من خلال هذه الكلمات التي لا اعتبرها كتابة احترافية، بل فضفضة لحالات مجتمعية اصادفها وترتطم بمشاعري ومعتقداتي، فلا املك تغيير عقليات الآخرين بل ربما قابلوني باستغراب لمجرد الاختلاف، لأننا وبكل بساطة لا نعلم الفرق بين الخلاف والاختلاف. انا ابنة اسرتني التي علمتني أن البيئة انتماء وتعايش وغرستني في ارض الولاء والحب، علمتني (أن من لا خير له في اهله ليس له خير في الآخرين) علمتني ان الجاه والمنصب والكراسي قابلة للتدوير، وأن الغرور آفة النجاح وان رأس مال الفرد أخلاقه وحب الناس له مع حسن التعامل.
لأني أستعد لاستقبال مولدي الثالث يتردد على سمعي سؤال من المقربين وغير المقربين وأشباه المقربين: هل تعتزمين الولادة في امريكا او كندا؟ ومن ثم تنهال الإيجابيات للجنسية والحصانة واهم شيء (البرستيج)، لانك بمجرد الدخول في استفسار عن امريكا وكندا تكتشف أن الناصح لا يعلم عن نصيحته الا القشور الظاهرة، فالمسألة ليست جنسية وحصانة فحسب، بل هي اكبر واعمق من ذلك..
فان كان الوطن هو (عبارة عن مساحة الأرض أو المنطقة الجغرافية التي ولدت فيها أمته). فهل حمله للجنسية يجرده من أمته واهله وارتباطه وانتمائه ويسلخه من جذوره؟ ام هو مجرد حبر على ورق رسمي وجواز مختوم باسم دولة قوية؟ وهل بالفعل الأمريكان محصنون بكل ما تحمله كلمة حصانة لست ادري؟؟؟ الوطنيةُ إيمان وخُلق وسلوك، الوطنية ليست للتباهي فهي احساس لا يقبل انصاف الحلول او المساومة او النعرات الممجوجة الممتلئة تفاخرا وعصبية وانحيازات.
المواطنُ الحقُّ هو الذي يحفظ الجميل للأرض، ولا يقبل في بلاده مساومة او تعويضا لأن المواطنة شعور فطري يتغذى من الروح وتعززه الجوارح.
هل كل بلدان العالم تمنح شعوبها بساط الحرير ومخدات ريش النعام التي نسمع عنها في قصص الف ليلة وليلة!؟ مهما بلغ عدم الاتفاق والتقصير وطريقة فرض الحياة من حيث القوانين وبعض الأولويات مع التحفظ، يبقى الوطن هو الوطن والملاذ فلا شيء يقصيه.. (بلادي وإن جارت عليّ عزيزة - وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام).
أستغرب عندما يجلس أحدهم في مقاهي اوروبا واضعا رجلا على الأخرى، ويقول بلادي طاردة لم تمنحني كرامة ولم تحفظ لي حقوقا...!! انا لا انتمي الى أي ارض ولا جنسية ولكنها فرض خارج عن الإرادة وجواز عبور ليس الا، ثم يردد انا انتمي لنفسي فقط فلا اتبع لأحد، يقصد انه من فصيلة (الفقع) ظنا منه انه حقق قاعدة خالف تعرف، فتجده لا يلبس الزي الرسمي لبلاده مطلقا حتى في المناسبات الرسمية، ويحاول ان يصبح مثلما قال إخواننا المصريون (خواجة) اقول له ارجع الى نفسك وتفكر.
نحن في ازمات تحتاج الى تماسك، لسنا بحاجة الى تمييع خصائصنا وشحننا بأفكار تشوهنا، اصبح حب الوطن عند البعض تخلفا ورجعية، فلا بد من الجموح والاعتراض بحثا عن استقلال الذات لنسير في طرقات مظلمة مليئة بالصراعات، وبدلا من أن نستقل نجد انفسنا غرباء لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء، لا بد أن ندرك المعنى الحقيقي للحب وقيمة الانتماء، بغض النظر عن التنوع العرقي والديني والمذهبي، فيكفي أن يحتضننا تراب وارض واحدة لتذوب كل الاختلافات والخلافات عند حدود المصلحة العامة والتنمية المشتركة للعيش بكرامة، وبذلك لن يستطيع ان يخترقنا منافق ولا خائن ولا مدعٍ للفضيلة.