منذ برهة طالت ايام الصبا، انقطعت الوشيجة التي تربطني بقصص الاطفال، وحتى العلاقة آنذاك لم تكن تتعدى حواجز حواديت (كان يا مكان) التي اختلستها سماعا ممن هم اكبر مني سنا، حيث كنت - كأي طفل وقتها - اتنصل من استقائها قراءة نظير التكاسل والإعراض الا ان التوتر الذي شاب صلة عيني بالورق تفككت طلاسمه رويدا مع الوقت ليصبح الكتاب بعد ذلك جفنا لعيني اذا كانتا مفتوحتين وتشاء الصدفة ان تدبج القاصة المبدعة/اعتماد خان آصرة جديدة تجمعني بعالم الطفل عبر مجموعتها القصصية الجديدة (خيوط الشمس) التي حازت على المركز الاول في مهرجان (الرؤى) العربي لقصص الاطفال والذي نظمته دار نشر مصرية تحمل الجائزة اسمها مما عني تلقائيا ترشيح القصص لمهرجان سيدني العالمي لقصص الطفل، وهو شيء اججني سرورا كون بيننا اديبة سعودية جديدة وصلت في تخصصها الى مراتب علا (اعتماد) كغيرها من مبدعات هذا الوطن والاعلام على حدث فوزها وتكريمها مرور الغائب عن الوعي والجاهل بالحدث فلم يعر احتفاء لما حققته بنت ترابنا النفيس، ولم ياتزر عبء تقديمها الى الساحة النقدية والثقافية بغية التعريف بها و افادتها بآراء الآخرين عن نتاجها لتبزغ اسئلة: الى متى تستنزف وسائل الاعلام مبدعاتنا جحودا؟
وتهيل التراب على نبوغهن انكارا؟ اليس من الاجدى اثارة الاسماء هذه كاعتماد وغيرها من الشابات والشباب - شاغلا للساحة الثقافية عوضا عن ترديد المهاترات التي مللناها وحفظنا سجالاتها؟ اين المؤسسات الثقافية من طباعة نتاج الجيل الواعد استعاضة عن طباعة الكتاب الواحد بعد الألف لأنصاف الادباء الذين لا يعلمون عن (الأدب) سوى انه عكس (قلة الأدب)؟
لقد قادتني (خيوط الشمس) بعد قراءتها الى التذكير بضرورة تحمل الضمير الوطني مسؤولية اشعال فتيل القراءة في نفوس الناشئة بغرس بذور الفضيلة حلم تحقيق هاجس النهوض بالامة منذ السنين الصغيرة لمجتمع الغد، وهذا الهدف النبيل مطلب الحته ظروف المرحلة و مقتضيات الواقع الراهن..لذا فاعتماد العطاء الابداعي والادبي لتحقيق غرض النهضة محتم لابد وعيه فمثلا قصة (الشهيد الأخير) للقاصة حوت دغدغة لمشاعر الغيرة على الدين والتلاحم بالارض على نحو يتلاءم مع استيعاب الطفل الذهني وتفكيره البريء وقصص (ميلاد المهرة) و (الهجرة الى القلب) و (القرد الطيب) و (سارق العسل) و (البجعة السوداء) ترجمت نسجا لمقطوعات شاعرية أنغامها تفاصيل مشاهد عابرة في حياتنا اليومية التقطتها القاصة من المنزل والمزرعة والغابة لتصيغ خطابا يدعو للتعاون والاخاء وبر الوالدين.. يختلف تماما عن نمطية التوجيه والنصح الغالب على روتينه النفور والغلظة، اما (موهوب لا يعرف المستحيل) فلقد جاءت تتويجا لهذه الباكورة جراء غايتها الى ازالة الفارق النفسي بين المجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة، وتجدر الاشارة تصفيقا لاسقاطات التأمل في عظمة الخالق واهمية الوقت وحب الحياة وترسيخ النقاء خلف لب المعنى للقصص ولا انسى الاشادة بقدرة القاصة على لفظ قضبان (فلكلور الجدة) ونقشها رموزا جديدة داخل اطار مصطلحات لها رونقها في ذاكرة المتلقي الشعبية والثقافية، ولقد ظهر ذلك مليا في (المهرة) و (سارق العسل) و (منى بائعة الكعك) عموما امتاز اسلوب القاصة بالتوازي بين جودة الكلمة وسلاسة الاسلوب مع السهولة والعمق في المعنى، وذلك كله يدعونا الي التصبر على جمر الوقت مراد اقتحام اديبتنا مطارق ابداعية جديدة اثق تماما في قدرتها على اضافة الجديد فيها ولها.