هل للرؤية علاقة بما يمرّ بنا من سعي الحكومة لخفض الانفاق بما في ذلك استبعاد بدلات وإلغاء مشاريع أقرت سابقاً، سواء أكانت متأخرة أو متعثرة أو غير متعثرة؟ كما هو معروف أن الرؤية تطلع بعيد المدى، أما ما يمر بنا من إعادة هيكلة الحكومة لإنفاقها فهذا يأتي ضمن ما عبرت عنه وثيقة الميزانية للعام المالي الحالي (2016) بأنه هدفٌ لها وهو «رفع كفاءة الانفاق»، وهذا يعني خفض الانفاق من جهة وزيادة الإيرادات غير النفطية للحكومة. هناك من حَكَمَ على الرؤية 2030 سلباً بمجرد أن فَقَدَ بدلاته. شخصياً لا ألومه، فقد تزامن فقده لتلك المزايا المالية مع صدور الرؤية 2030. لكننا ندرك أن الرؤية 2030 ليست ظرفية، ولا ترمي لإحداث تغييرات آنية، بل ترمي لتحقيق ازدهار ونمو في المدى البعيد. كيف نفرق بين الأمرين: بين ما يحدث في المدى القصير من تبعات خفض الانفاق، وبين ما تسعى الرؤية لتحقيقه في المدى الطويل؟
السؤال ليس هامشياً، بل محورياً، تحدد الإجابة عنه قناعة المواطن ببرنامج رفع كفاءة الانفاق وبالرؤية، فقناعته تلك تعني مساندته ومؤازرته من عدمها؛ فإن اقتنع، فستكون المبررات أمامه واضحة، والعكس بالعكس. لنأخذ مثلاً الجدل الذي تشهده وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام حول صرف راتب موظفي الحكومة وفق الأشهر الشمسية، وكيف أن هناك من نظر للأمر بأنه محاولة لتوفير 4 بالمائة من بند الرواتب! مما يأخذنا لسؤال يجب أن نسعى للإجابة الميدانية عنه كل يوم: كيف هو أداؤنا في إثراء وعي المواطن فيما يتصل بالتحولات الاقتصادية المحلية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وكيف ستؤثر تلك التحولات عليه وعلى الأجيال القادمة؟ فمساندة المواطن للرؤية وحماسه لها إحدى ركائز نجاحها.
منا من قد يتخذ –أو حتى قد اتخذ- موقفاً من «الرؤية 2030»، سلباً أو إيجاباً، بناءً على انطباع قد تعوزه البيانات والمعلومات، أو أنه ربط الرؤية بما تزامن مع إجراءات استجدت بفعل تراجع الإيرادات النفطية وزيادة ضغوط الانفاق على الخزانة العامة. يمكن الجدل أن ثمة حاجة لإيضاحات رسمية متوالية ومتواصلة، وهنا لا أتحدث عن إيضاحات «إعلامية» بل عن إيضاحات «اتصالية» لتوعية وبيان المستجدات للرأي العام؛ فالمواطن يريد أن يعرف ما انعكاس تطبيق برامج الرؤية عليه وعلى «جيبه» وعلى أسرته، وكيف ستتأثر منظومة الخدمات من حوله؟ فهل ستتأثر الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية؟ بمعنى هل سيتحسن مستواها؟ وهل ستبقى مجانية أم عليه دفع مقابل؟ وهل سيحصل على خدمات أفضل مقابل ذلك المقابل المالي؟ فهناك من يقول إن الخدمات الصحية ستسند لشركات. فهل ستسند لشركات لترتقي بمستوى الخدمة عما هي عليه الآن؟ وكيف ستكون العلاقة بين المواطن ومنظومة الرعاية الصحية الأولية ابتداء، ثم بقية حلقات الرعاية بعد ذلك؟ ليس واضحاً! كما أنه ليس واضحاً ما الذي سيتحمله المواطن بالمقابل تحديداً، هل سيدفع؟ وكم؟ ولمن؟ أسئلة مباشرة بحاجة لإجابة واضحة محددة مقننة مفصلة وقطعية. وكذلك الأمر فيما يخص التعليم؛ فهل سيستمر التعليم مجانياً، من المهد للحدّ؟ وكيف سيتأثر التعليم نتيجة لتطبيق الرؤية 2030، من حيث المناهج وتقنية التعليم والمُعَلّم والمبنى المدرسي؟ وكيف سيتأثر برنامج الابتعاث الداخلي والخارجي؟ وما دور القطاع الخاص؟ وما علاقته مع منظومة التعليم العام الحكومي؟
ثمة خدمات تشكل المنظومة الاجتماعية- الاقتصادية، وهي منظومة ارتكازية في أي بلدٍ، ولذا فقد اهتم بها النظام الأساسي للحكم، فتناولها بتفاصيل جوهرية، وأفرد لها فصولاً ومواد. ولذا، وطلباً للوضوح، لابد أن يُقنن القائمون على الرؤية إجابات توضح تقاطعات برامج الرؤية مع ما ورد في النظام الأساسي للحكم من جهة، وتبين كيف سيكون عليه الحال بعد تنفيذ تلك البرامج. السبب، أن الجميع بحاجة للوضوح والتحديد، فذلك يعني فهم المواطن للرؤية وحماسه لها وامتلاكه لها، ففي نهاية المطاف هو أكبر المتأثرين بها، باعتبار أنها ستجلب له مزيداً من المكتسبات ولاقتصاده مزيداً من الازدهار، بصورة مباشرة وغير مباشرة.
وفي سياق اجتماعي يتصل بالدعم، فأساسيٌ بيان كيف سترعى برامج «الرؤية 2030» شرائح المواطنين الفقراء ورقيقي الحال ومنخفضي الدخل. الحديث هنا ليس عن بضعة آلاف، بل عن مئات الآلاف من المواطنين، ممن لا يملكون دخلاً مالياً مستقراً يمكنهم من تغطية احتياجاتهم اليومية ولاسيما دفع فواتيرهم! وليس محل شك، أن هذه الشريحة محل اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين –أيده الله-، لكن مع صدور الرؤية وانتهاجها للدعم الموجه بديلاً لما هو ممارس من تعميم الدعم على الجميع، يبرز السؤال: كيف ومتى سيطبق «الدعم الموجه»؟ هل من خلال قسائم نقدية تعطى، أو ترتيبات من خلال وزارة برامج الشئون الاجتماعية القائمة، أم ترتيبات مع مزودي الماء والصرف والكهرباء؟ وهل سيكون لهم علاوات اجتماعية وفقاً لعدد أفراد الأسرة مثلاً؟ وهل ستصدر لتلك الشرائح الكريمة بطاقات تموينية لاستخدامها في البقالات ومحطات البنزين؟
هناك ما يبرر القول إن شرح وبيان تفاصيل برنامج الدعم وإيضاح آلياته أمر حرج الأهمية، وأن يتم ذلك في أقرب فرصة، وأن يُفَعَلّ حالاً. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الشرائح التي تعيش على الكفاف أو دونه، هي من لا يستطيع تحمل خفض الدعم على السلع والخدمات، بمعنى أن خفض الدعم سيعني زيادة فقرهم. ولذا فملائم إعطاء أولوية مطلقة لتطبيق برنامج الدعم الموجه. الأمر ليس «بيضة» و«دجاجة»، فضروري أن تسبق إعادة هيكلة شبكة الأمان الاجتماعي، تطبيق إعادة هيكلة منظومة الدعم لتتجه من الدعم العام للدعم الموجه للمستحقين.
ومع إعلان وتطبيق برنامج «الدعم الموجه» سيصبح تطبيق التوجه (الذي بدأته الحكومة في ديسمبر 2015 بخفض الدعم عن المياه والكهرباء والوقود، طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الموقر أرقام 94 و95 و96 للعام 2015) غير ذي تأثير على الشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل، وسيعني أن تدفع الشرائح القادرة أسعار السوق. ولعل من الملائم بيان أن فاتورة الدعم تقدر بنحو 400 مليار ريال سنوياً، وهذا سبب آخر يوجب إطلاق برنامج الدعم الموجه سريعاً، للحد من الهدر غير المبرر، بدعم من هو ليس بحاجة للدعم.
إذاً، فأولويتي تطبيق الرؤية تكمن في: (1) شرحها وتوضيحها وبيان تفاصيلها تحديداً، و(2) ما ستعنيه للمواطن رقيق الحال، وللمواطن المليء المكتفي، وللقطاع الخاص المحلي، وللمستثمر الأجنبي النشط محلياً، والمستثمر الأجنبي الذي يتطلع أو نتطلع نحن لقدومه والاستثمار هنا.