في البدء تكلم صانع قلم الرصاص إلى القلم قائلًا: - هناك خمسة أمور أريدك أن تعرفها قبل أن أرسلك إلى العالم، تذكرها جيدًا وستكون أفضل قلم رصاص!!
- سوف تكون قادرًا على عمل الكثير من الأمور إذا امتلكتك «يد ماهر»!
- سوف تتعرض لعملية «بري» مؤلمة بين فترة وأخرى، وهذا ضروري لك لتكون قلمًا أفضل!
- لديك القدرة على تصحيح أي خطأ قد ترتكبه!
- دائماً ما سيكون الجزء الأهم فيك هو ما في داخلك!
- مهما كانت ظروفك فيجب عليك أن تستمر بالكتابة، وعليك أن تترك دائمًا خطًا واضحًا وراءك مهما كانت قساوة الموقف!
فهم القلم ما طُلِب منه، ودخل إلى علبة الأقلام تمهيدًا لذهابه إلى العالم بعد أن أدرك تماما غرض صانعه!
والآن ماذا بشأنك أيها القارئ الكريم؟
ماذا لو وضعت نفسك مكان هذا القلم؟
ما الذي ستفعله لتصبح من أفضل الناس؟
كل منا هو قلم رصاص تم صنعه لغرض «فريد وخاص بنا»!! وجدير بنا أن نتعلم شيئًا مهمَّا من هذا القلم!
أخطاؤنا لا تدوم طويلًا، فهي إما أن تُمحى سريعًا أو ستكون مع الأيام «باهتة» لن يلتفت إليها أحد، فالكل مشغول في هذه الحياة بنفسه وبمعيشته وبهمومه التي لا تنتهي، بسيارته الجديدة، بطفله المريض، بمسوغات ترقيته، بثوبه الذي يحتاج إلى رتقٍ وتعديل، وبيته الذي ينتظر الترميم، كل هذه وغيرها كثير هي أهم عند الناس من الالتفات إلى أخطائك، وإن أخطأت لا تقلق كثيراً فقلم الرصاص كفيل بان يمحو أخطاءك كلها!
هناك فطرة فطر الله عليها عباده لا يحيدون عنها إلا بمؤثر قوي، وقد يكون هذا المؤثر هو قلم الرصاص الذي يأتي ليكتب المفاهيم والقيم والمبادئ والأخلاق، وهذه الجماليات تُغرس في نفوسنا بالتربية والممارسة والمعايشة والتطبيق بدءا من محيط الأسرة والمدرسة والمجتمع.
الفرد منا يكتب ما يؤمن به بقلم الرصاص، وقد يمحو كل المفاهيم والقناعات والأخلاق بعد برهة أو أقل من ذلك كونها كتبت بقلم قابل «للمحو والإزالة» فالقلم يخط والممحاة تعمل دورها سلبًا وإيجابًا.
أعجب من هذه النفس البشرية كم هي معقدة ومتغيرة وغير ثابتة، فهي كل يوم في حال، تخرج من دائرة لتدخل في دائرة أخرى، ويحتار«قلم الرصاص» معها ولكنه مضطر إلى أن يُسارع الخطى، لعله يثبت على حال مع هذه النفس المتقلبة، والقلم والممحاة لهما حكاية عجيبة، فهما يعيشان جنبًا إلى جنب يتصارعان في معظم الأوقات، فبعض مما يكتبه قلم الرصاص تقوم الممحاة بدورها غير آبهة بما تتركه من أثر في النفس، وما تمحوه سرعان ما نجد قلم الرصاص قد أعاد كتابته دون اكتراث لقناعة الممحاة، وبين لعبة الاثنين قد تتعب المشاعر الإنسانية حتى تغدو كذاك الطفل الذي يدَّعي القوة والجبروت ويتعارك مع محيطه وكأنه «عنترة»، وحين تقترب منه تجده باكيا يستكين ويصرخ ألمًا مما يرى ويسمع!
في الآونة الأخيرة صدرت فتوى من أحد الدعاة أثارت ضجيجًا غير عادي في الوسط المجتمعي وعلى وسائل الإعلام ليس على المستوى المحلي فقط بل تعدت إلى دول أخرى وأخذت من النقاش حدًا أثار غيرة الناس وحفيظتهم، وكما تشتعل النار في الهشيم فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي نقاشًا وعُرِضت الفتوى في بعض القنوات المرئية حتى تراشقت الأطراف باتهامات «الجهل والتهريج والتخلف»!
الشيخ الداعية أراد أن يهوِّل من معصية فإذا به يهوِّن من معصيةٍ أخرى «يحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم»، ولعل الشيخ لم يدرك الأبعاد التي تندرج تحتها وهو يقارن بين المعصيتين في ظهوره في أكثر من وسيلة إعلامية «صوتًا وصورة» مؤكداً أنه لن يغير رأيه أبداً! ويبقى السؤال: لماذا بدأنا نرى التوسع في دائرة الفتاوى الشرعية من مختلف فئات الناس حتى أصبحنا نرى أنصاف الدعاة وقد نصَّب نفسه «شيخًا ومفتيًا» ووسائل الإعلام أكبر دليل على ذلك!
أعجبني رأي أحد المتابعين للقضية عندما قال: ليس الإثم على قائل الفتوى، ولكن الإثم على من استفتاه لأنه استفتى من لا يعرف عن الدين الشيء الكثير!
همسة محب: إذا رأيت الأسلوب الدعوي في بيان الأحكام الشرعية متوافقًا ومنضبطًا بضوابط الشرع ووفق الكتاب والسنة فكن قلم الرصاص الذي يكتبه، أما إذا رأيت غير ذلك فاترك المهمة للممحاة، ولا تتردد!