رتم الحياة عبارة عن أمواج متلاحقة، وأنفاس الفرد منا لاهثة خلف هذه الأمواج لمواصلة الحياة، فالعقبات والأزمات تتلاحق لا يحكمها امتداد ولا اتساع، وبهذه الأمواج والتفاعلات يُرسم طريق الكثير منا وسط هذه اللجة، أو قد تبرز ملامح التعامل والتواصل مع الآخرين وتظهر إفرازات هذه الأمواج كلما اقترب الفرد منا من القاع أو الغرق.
ردود الأفعال هنا قد تتفق في الإجمالي والنتاج النهائي، ولكنها بالطبع تتفق في اختلاف وسائل التعاطي المباشر للوضع.
وبيتهوفن عانى من العقبات الكثير وقد كانت لا تقارن بالعقبة الرئيسية في حياته وهي فقده حاسة السمع بالتدرج والتي كانت بوابة تواصله مع عالمة الموسيقي الذي كان يبحر وسط أعماقه، كان إحساسه بالفقد التدريجي هو الطاغي على كيفية تعامله مع المحيط البشري والكوني، لذلك ظلت الأصوات الخاصة به في وقع أذنيه أصواتا متباينة عالية كثورة للطبيعة البكر في ساعة غضبها، فتولد لديه مفهوم الثورة الموسيقية التي تفجر في النفس براكين راكدة سنوات وسنوات، وكان لذلك علامة واضحة البصمة على أعماله الخالدة إلي يومنا، وبما أن بيتهوفن كان يفتقد هذه الحاسة كان الموصل لإحساسه هو ما رسخ في ذاكرته من بقايا السمع في مراحل عمره الأولى، لذلك كان صوت الثورة لديه عنيفا فتناغم ذلك الإحساس مع الآلات التي اسميها آلات حربية خاصة وإنها تعتمد على القرع، ومن استمع إلى سيمفونيات بيتهوفن جيدا ستثور ذاته وتتفاعل إلي درجة إغماض العين، وهذا ما ينطبق بالفعل على وضعنا الحالي على هذه الخريطة الكبيرة في خضم الضغوط التي تتصاعد لزيادة التوتر.
أصوات تقرع الأسماع بعنف مخيف كما فعل بيتهوفن في ترجمة ثورته الذاتية وإغماض العيون، وكما قلت في بداية الحديث لكل إنسان ردود أفعال معينة نابعة من تكوينه، ولكننا نتفق في الحزن والفرح ونتقاسم المعطيات، أنت قد تكون ثورتك في مدى قدرتك على الانتقام، وذاك قد يكون الوضع معه مختلفا فثورته تكمن في قوة صبره، وثالث في تجاوزه الوضع برمته دون إحداث أي ردة فعل وهذا يكون اقرب الى الأفراد غير المبالين، وآخر قد تكون ردة فعله وبالا عليه فهو لم يكن مدركا لما بعد هذه الثورة التي قد لا توصله لشيء، منا من يأخذه البكاء، وآخر جلجلة غضبه تجعله يدمر حتى ذاته، والبعض وأنا منهم يركن الى الصمت الذي يفتت كبد من حوله، ولكن قد نتفق في الإجمال النهائي على أن الثورة ضد الذات هي المتنفس لنا.