بُنيت الفنون عبر التاريخ على قيم الخير والحق والجمال واستبعاد نقيض هذه القيم: الشر والباطل والبشاعة من الحياة الانسانية عموما ومن الانتاج الفني خصوصا. وقد مر تاريخ الفن بفترات قصيرة جدا تم الترويج فيها لهذه القيم وخاصة قيم البشاعة والعنف كما حدث عندما ظهرت الدادائية في الفن عقب الحروب التي هزت أوروبا حين أقام الدادائيون معرضا لأعمالهم، التي استندت إلى البشاعة، في المراحيض العامة وكانوا يزودون من يزور المعرض بفأس ليحطم أي عمل لا يعجبه!! ومع أن سبب بروز هذه الظاهرة الشاذة في تاريخ الفن كان له ما يبرره وهو اهتزاز القيم الانسانية نتيجة للحروب الوحشية التي اشعلتها الأطماع الأنانية للأقوياء في أوروبا آنذاك إلا أن الدادائية لم تستمر وقتا طويلا إذ سرعان ما انبثقت عنها مدارس فنية عادت إلى القيم الأصلية للانسانية.
لكن الاتجاه العدمي في الفنون يعود للظهور من فترة لأخرى، فنرى مثلا، ترويجًا «لفنان» ينشئ عملا نحتيا من الزبالة، وشاعرًا هنا أو هناك يروج للقذارة والبشاعة! ومن ذلك ما أرسله لي صديق على أنه مجموعة شعرية مميزة اخترقت العادي والمألوف يتوجه فيها «الشاعر» في إحدى «قصائده» إلى الشاعرين نزار قباني وبدر شاكر السياب لافتا نظرهما إلى أن هناك البشاعات والقذارات ليحبوهن وليكتبوا عنهن قصائدهما!! وكأن فناني البشرية لا يعرفون هذا الجانب البشع في الحياة، وانه هو «بعبقريته» اكتشفه!! يقول صاحبنا في «القصيدة»:
«ألم يحب شاعر إحدى هذه النساء:
- التي تمسح مخطتها بكم قميصها
- التي أصبح قميصها الداخلي (الذي أصله أبيض) مائلا للسمرة
- التي تدخل إلى الحمام وترشق حفنة ماء وتمضي
- التي لشعرها رائحة حاويات
- التي قدميها ويديها أخشن من (سيف الجلي)
- العوراء.. العرجاء.. الفصعاء...
- التي تمشي كسيارة مربعة الدواليب
- التي حذاؤها داست به كل المستنقعات
- التي رائحة فمها جيفة لم تأكلها الكلاب
- التي أصل أسنانها أبيض
- التي...»