على هامش ورشة عمل مشتركة بين وزارتي العمل ووزارة الصحة الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة العمل قراراً هاماً بإيقاف الاستقدام لوظائف أطباء الأسنان في المملكة، وذلك لإتاحة فرص العمل لأطباء الأسنان السعوديين في القطاع الصحي بالتنسيق مع وزارة الصحة، وبكل أمانة مثل هذا القرار يستحق الإشادة فيه لأن آثار توطين المهن دائماً تكون أجدى من غيرها عند التعامل مع قضية البطالة وتطوير الثروة البشرية.
وزارة العمل في جهد جبار قامت بعمل تشخيص لحال سوق العمل السعودي، وكانت نتائج التشخيص مذهلة فيما يخص سيطرة بعض الجنسيات على بعض المهن، وافتقارنا لكوادر سعودية في مهن تطويرية هامة ولائقة ذات مردود مالي ممتاز، وهذا ما يسمى بالانكشاف المهني والذي من خلاله قامت الوزارة بتشخيص الواقع فيما يخص القوى العاملة المحلية الحالية لشغل تلك المهن، بالإضافة لأعداد القوى العاملة التي من الممكن أن تشغل تلك الوظائف على المدى القصير، وأنا متأكد أن النتائج كانت صادمة وتحتاج لتحرك سريع حتى ولو كان قاسياً لأن مصلحة الوطن أهم من أي شيء آخر، والتحرك السريع يعني أننا نطمح في توفير «مهن لائقة» للمواطنين بإذن الله.
بالعودة لوثيقة التحول الوطني وتحديداً الهدف الإستراتيجي الثامن لوزارة العمل، نجد أن الهدف كان واضحاً في «توفير فرص عمل لائقة للمواطنين»، ويرتبط هذا الهدف بعدة أهداف لرؤية المملكة ومن أهمها تزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لمواءمة احتياجات سوق العمل المستقبلية بالإضافة إلى تنمية مهارات الشباب وحسن الاستفادة منها، واندرج تحت هذا الهدف عدة مؤشرات أداء منها تخفيض معدل البطالة للسعوديين ليصل إلى 9% بحلول عام 2020م، وتحديد الفرص الإضافية اللائقة المتاحة للسعوديين في القطاع الخاص بـ 1,2 مليون وظيفة.
اليوم بدأت وزارة العمل بمثل هذا القرار، وأتمنى أن لا تقف المسألة عند إيقاف استقدام أطباء الأسنان فقط، وأتمنى أن تشمل المرحلة القادمة إيقاف الاستقدام لكثير من «المهن اللائقة» كبديل عن توطين القطاعات بشكل كامل، وأنا أتفق مع أي توجه لتوطين أي «مهنة لائقة»، كما ذكرت وزارة العمل في أحد أهدافها في وثيقة التحول الوطني، وأتفق مع أي توجه لتغيير مسار العاطلين من حملة التخصصات غير المرغوب فيها وتشبع منها السوق إلى «المهن اللائقة»، وعندما نتحدث عن توطين «مهن لائقة» يعني أننا نتحدث عن وظائف تطويرية وليست تكميلية، ويكون معدل أجورها في سوق العمل «والذي يمكن الحصول عليه من خلال دراسات ومسح للأجور» يتجاوز خط الكفاية الذي يتم الإعلان عنه رسمياً.
من وجهة نظر شخصية، نجد أن لدينا أربعة تشخيصات رئيسية للقوى العاملة المحلية في المملكة، «التشخيص الأول» يتمحور في نسبة كبيرة من الأقلية «العمالة المحلية» في سوق العمل ويعملون في وظائف بعيدة عن تخصصاتهم، و«التشخيص الثاني» يتمحور في نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل ويحملون مؤهلات يحتاجها سوق العمل ولكن لم يجدوا الفرصة بسبب إما سيطرة جنسيات معينة على وظائف تلك التخصصات، أو بسبب تفضيل القوى العاملة الوافدة لرخص تكلفتهم، و«التشخيص الثالث» يتمحور في مجموعة من العاطلين عن العمل في تخصصات «تشبع» منها السوق ولا تتواءم مع احتياج سوق العمل للسنوات المقبلة، و«التشخيص الرابع» نجده في وظائف لا يوجد لدينا العدد الكافي من القوى العاملة المحلية لشغلها في حال حدوث أي ظرف، مما استدعى ذلك فقداننا لفرص وظيفية لأبناء الوطن والتوجه لاستقدام العمالة الوافدة بشكل مفرط، ومثال على ذلك من إحصائيات رسمية سابقة نجد أن السعوديين في التخصصات الصحية تصل نسبتهم لأقل من ثلث العاملين في نفس التخصص بالقطاع الصحي في المملكة، بالإضافة لبعض التخصصات الهندسية والتي لا تتجاوز نسبة العاملين السعوديين فيها 15% من مجمل المهندسين العاملين في نفس التخصص بالمملكة!.
هناك تهمة يتم تداولها كثيراً فيما يخص الأيدي العاملة السعودية والباحثين عن العمل السعوديين، وهذه التهمة أشاعها غير السعوديين وتداولها السعوديون وهي تهمة «الموظف السعودي لا يُعتمد عليه»، ولو رجعنا للسنوات السابقة نجد أن الأيدي العاملة السعودية أثبتت نفسها في العديد من الوظائف المتوسطة والعليا، وسبب ذلك بالمقام الأول هو الاهتمام بتطويرهم ودعمهم وتحفيزهم مما كان له تأثير كبير في زيادة التراكم المعرفي لهم في سوق العمل السعودي.
مصلحة الوطن أهم من أي شيء آخر، ونحتاج لقرارات صارمة لتوفير فرص عمل «لائقة» للمواطن السعودي، وبالعودة للأرقام المذكورة في نشرة سوق العمل للربع الرابع من عام 2016م، نجد أنه حتى عام 2020م سيكون لدينا ما يقارب «890,337» مشتغلا أعمارهم تتجاوز «60 سنة»، منهم «738,126» غير سعودي، ولذلك أرى أننا بحاجة لقرار لا رجعة فيه لعدم تجديد الإقامات لمن تجاوزت أعمارهم «60 عاما»، بالإضافة للعمل على تطوير الكفاءات السعودية في المهن النادرة التي يتحجج البعض بعدم وجود كفاءات سعودية لشغلها.
ختاماً: من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وبمثل هذا القرار لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر لوزارة العمل ووزارة الصحة، وبإذن الله ننتظر قرارات قريبة ومشابهة له خصوصاً في قطاع التعليم والوظائف الإدارية في قطاع التعليم كخطوة مهمة قبل اي خطوة أخرى.