أحببت أن أقول لكم قبل كل شيء أني أحبكم. وللحقيقة المجردة عندما أقول ذلك فهذا لا يخلو من الأنانية، فحب الآخرين يمنح السعادة والتوازن والرضا، وهذا ما أتمناه لنفسي. الحب منذ عرفناه وهو بضاعة محببة ونفيسة للكتاب والشعراء والفلاسفة، وتباع كأكثر المنتجات مبيعا منذ عرف الإنسان مشاعره.
ولكن الحب ظُلِم ظلما كثيرا طوال تلك الأحقاب من البحث العلمي، يعني لم يهتم به علماء البيولوجيا، والدماغ، وعلماء الطب النفسي. وبزعمي أن الحب هو الذي بأمر الله يسير العالم منذ الخلق، وأن العاطفة هي السيد على العقل وهي التي تملي عليه أفكاره وأفعاله وحجومه واندفاعاته. بطبيعة الإنسان- وهي ما أراها غير منطقية- أن لا يعتقد أن الحب هو الطاقة التي تسير هذا العالم، وهو القوة الأولى التي شاء بها الخالق أن يُدار هذا الكون.. كل الكون.
لو لم تحب الأم طفلها لضاعت الأجيال بل لضاعت البشرية، أو حتى أكثر لربما انقرضت من زمان. لو لم يحب المرء وطنه لما دافع عنه، لو لم يحب العبد دينه لما تجشم بكثير من الأحداث المسجلة المستحيل من الصعاب وواجهها بسعادة وروحانية وسكينة.
لولا حب الاكتشاف لما دار ابن بطوطة القارات بعيدا عن طنجة مسقط رأسه ومقر أهله اكثر من ثلاثين عاما، ولا سار ماركو بولو بعهد قريب لابن بطوطة من روما للصين عبر طريق الحرير، ولما وصل الإنسان للقمر.
لولا حب الاختراع والاكتشاف العلميين لمات أربعون مليونا من الجنود بسبب التهابات الجروح وأنقذهم بعد الله البنسلين من فلمنج الذي أحب العلم والاختراع وقال عشقي الأكبر معملي.
لولا الحب لما تبع الملايين الأنبياء والصالحين. وأنكر أن الحب هو الذي يصنع القادة فاخترنا كلمة اسمها كاريزما أو جمالية شخصية، والحقيقة لو لم يُحبُ القائد لما تحققت له الكاريزما. وفي مشاهد الكون من البدء والموجة تجري للشاطئ لا تدري هل هي تعانق الشاطئ، أم أن الشاطئ يعانقها.
انظر الى تجاذب القمر والأرض، والجاذبية حب، ولو دخل بينهما جرم آخر (عذول) لفلتت علاقتهما وضاعا بسحيق الفضاء. الآن بدأ علماء البيولوجيا والأنثروبولوجيا وكيمياء الدماغ وأطباء النفس بالاعتراف بأن الحب موضوع يخضع للعلم الطبيعي وليس فقط للفلاسفة والشعراء.
ولا تنسوا ما قلته أني (أحب) أن أحبكم.