«خذني معك يا حب شي مشوار
وعالسكت وشوشني سرار.. سرار
محي لايامي بإديك الزغار
مدري شو صابو هالعمر
فتح.. وصار اقمار..»
طلال حيدر في هذه الأبيات لم ينشد حبيبا يمشي معه مشوارا، بل ناشد الحب في بابه العالي، وهذا يدل على أنه لا يشترط في الحبيب تلك الصفات التي سحق الشعراء أعناق بعضهم لحشدها على المحبوب، ذلك لأن الحب إذا أوقد جمره في قلب إنسان لا يتوقف ذلك على شرط ما.
وعندما تقرأ الشعر اللبناني الشعبي بالذات تنسى «خرافة» الحب العذري وما حشر حوله من أشعار يستلذ بروايتها المحرومون من الحب، فتأخذهم النشوة إلى حدود السباحة في الهواء، أما العشاق الصادقون فلا يرون الموت إلا صديقا وفيا.
لم أعتقد يوما بخرافة الحب العذري وقد وجدت في كتاب الباحث صادق جلال العظم «الحب والحب العذري» مرفأ استقرت عنده قناعتي الكاملة بأن كل ما روي عن هذا الحب هو هراء.. يقول ابن حزم عن الحب: «دقت معانيه لجلالتها عن ان توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة».
وقد أورد العظم في كتابه هذا النص لابن حزم: «وقرأت في بعض أخبار العرب أن نساءهم لا يقنعن ولا يصدقن عشق عاشق لهن حتى يشتهر ويكشف حبه ويجاهر ويعلن وينوه بذكرهن، ولا أدري معنى هذا.. على انه يذكر عنهن العفاف، وأي عفاف مع امرأة اقصى مناها وسرورها الشهرة في هذا المعنى؟».
هؤلاء الذين صدقوا الحب العذري من عصر الإسلام وحتى الطاهر لبيب في كتابه «سوسيولوجيا الغزل العربي» اظن انهم لم يمروا بمعاناته مثل ابن حزم، فصدقوا عجوز السياب: «وما توشوس عن حزام/ وكيف شق التعبير عنه/ امام عفراء الجميلة/ فاحتازها الا جديلة».
وحين تريد ازالة الصداع يمكن ان تقرأ:
«طال الحكي ع باب بيتن طال
وتنهدت وتكسر الموال
ولما عيونا بالدمع ضحكو
ما اعرفت يلي نقال كيف تقال؟».