تضعني الظروف بين فترة وأخرى في مواقف صعبة , تمثل لي مأزقا ً أظل أعاني أثاره مدة ليست بالقصيرة, وأغلب هذه المواقف التي تحيل صفاء حياتي إلى نكد ٍ متطاول, يكون الشاعر الشعبي (المصنوع) طرفا ً محوريا ً فيها , ولعل أخرها حدث لي قبل شهر, عندما تلقيت إهداءين بائسين , عبارة عن ديوانين صوتين لشاعرين يعتبر انتماؤهما للشعر وبالا ً عليه وعلى أهله وعليهما . ونظرا ً لأنني أحاول دائما ً أن يكون منزلي نظيفا ً من ملوثات الساحة , فقد تركتهما في سيارتي , وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضي سافرت إلى مدينة مجاورة وكان في نيتي أن أستمع إلى الشريطين في رحلتي الذهاب والإياب , و بالرغم من أن توقعاتي بوجود ما يستحق السماع كانت متدنية , ولكن ما وجدته في الشريطين لم يجعلني قادرا على قيادة السيارة بطريقة متزنة وهما بداخلها , فتخلصت منهما بطريقة بدائية تمر عبر نافذة السيارة ..!!
ويبدو لي أن صاحبيهما كانا ينتظران مني ( بالرغم من رداءة بضاعتي ) بهرجة ٍ احتفائية بهما من خلال مساحة هذه الزاوية لأنني وخلال ثلاثة أسابيع متتالية تلقيت منهما محادثات هاتفية صباح كل خميس تبدأ بمقطوعات منفرة من النفاق وتنتهي بسؤال استجدائي يقول( هل استمعت إلى ديواني .؟ ) ..
لا اعرف من يجيز مادة هذه الدواوين الصوتية الرديئة ..!! ولا اعرف تكلفتها المادية ..!! ولكنني اعرف جيداً أثارها المدمرة على الذوق العام وعلى أصاحبها وعلى من يستمع إليها , وأعرف تماما ً أنها أصبحت نوافذ سوداء تطل منها الأصوات البشعة , لتحيل حياة عشاق الشعر والمحيطين بهم إلى قطع متتابعة من العذاب لم ينج منها إلا المصابون بالصمم , والمضحك أن هؤلاء الواهمين الذين تسلقوا أسوار مدينة الشعر ليلا ً , هم من يقومون بتسويق سواءتهم الشعرية على محلات بيع الأشرطة و مراكز التسوق ومحطات الوقود , وقد يطلبون من أصحاب المخابز ومحلات بيع أعلاف الماشية أن يوزعوا أشرطتهم مع مبيعاتهم مجانا ً , على أن يدفع هؤلاء الجائعون للشهرة للعاملين بهذه المحلات مبالغ معينة من النقود , مقابل كل شريط ٍ يبتلون به أحد زبائنهم , ظنا ً من هؤلاء الشعراء المزيفين أن هذه الطريقة الغبية , ستمنحهم الوهج الذي حققته بعض الأشرطة التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة , والتي اعتقد أن أصحابها قد جرجروا هؤلاء الضعفاء على المسارات الصاعدة نحو القمة بلا رحمة , عندما قدموا نجاحا ً منقطع النظير أغرى هؤلاء البؤساء , بالسير على نفس الطريق الصعبة بلا زاد , فكان نصيبهم الهلاك ولعل ديواني الصديق الشاعر نايف صقر ( دروبك يا لسهر - قلوب الناس ) واللذين فاقت مبيعاتهما كل التوقعات خير مثال ٍ على ذلك , حتى أن الكثير من المقلدين استنسخوا من هذين الديوانين طريقة الإلقاء والموسيقى الشعرية في الكثير من أعمالهم المتر مدة , متناسين أن للشعر روحية وأن لهذا ( النائف ) كريزما إبداعية خاصة به دون غيره منحته تفردا ً جماليا ً , أوهم هؤلاء البؤساء بإنتاج دواوين صوتية لم يتجاوز صداها مساحات أحلامهم المريضة , التي لقيت حتفها في اليوم الأول من نزول إصداراتهم إلى السوق.
رحمة بنا .. رحمة بأنفسكم .. رحمة بالشعر .. رحمة بالإنسانية .. أيها الباحثون في ظلام واقعكم عن قبس ضوء , أوقفوا هذا العبث الذي لا قيمة له والذي لن يجلب لكم ولنا وللشعر إلا المتاعب المتعددة المنابع.
@@ همسات مكتوبة
ـ للصديق الشاعر / نايف صقر ..
إن كنت أهديت لنا الجمال الشعري من خلال ديوانيك ( دروبك يالسهر - قلوب الناس ) فقد ابتليته بحشد ٍ من ذوي المواهب الضامرة الذين أثاروا الصخب وهم يركضون خلف السراب في كل اتجاه .. ربما انك أيها العزيز تحمل الجزء الأكبر من وزر هذه الظاهرة .. لو كان لي من الأمر شيء لحكمت عليك بالاستماع لكل إصدار من إصدارات هؤلاء المساكين لتعرف كم جر علينا إبداعك من متاعب .
ـ للشاعر / عبدالرزاق الهذيل . القريات .
على هامش أمسيتك التي أقمتها في مدينة الجبيل الصناعية قبل عامين قدمت للجمهور وعدا قاطعا بالعودة المتوهجة للساحة .. تعاقبت الليالي والأيام وما زالت أيها الشاعر الجميل تلتزم الصمت .. ان كان لك عتب على إعلام الساحة فتأكد انه أوهن من أن تحمله عتبا تحرم بسببه جماهير الشعر تواجدك المضيء.