يدعو صديقنا الدكتور منصور بن محمد الغامدي العالم المتخصص بالصوتيات في كتابه "الصوتيات العربية" إلى كتابة تجويد القرآن الكريم وفاقا لمنجزات علم الصوتيات الحديث الذي اصبح يعتمد في قياساته على الأجهزة الدقيقة ويرى الدكتور الغامدي ان من الممكن اجراء دراسات معملية للمقرئين المجازين لقراءة القرآن. ولكن المشكلة التي يجب التنبه اليها ان هؤلاء المجازين ربما اجيزوا لاتقانهم احكام التجويد المتعارف عليها، ولكن ثمة امورا خفية قد يغفل عنها المجيز، وتلكم هي مخارج الاصوات والصفات الصوتية لكل صوت، فالذي ألاحظه ان بعض القراء يتأثر بالنطق اللهجي وأنت ربما تجده حريصا على إخراج الصوت اخراجا سليما ولكنه يغفل بعض الاحيان فينطق الصوت دون وعي متأثرا بنطقه اللهجي. راقب ان شئت نطق الواو في مثل "الكافرون" تجد بعض القراء النجديين المجازين ينطقونها ممالة كما تنطق الواو من "يوم" في النطق اللهجي. وراقب ان شئت نطق الجيم في قراءة القراء المجازين من جنوب الحجاز ومن عسير تجد الجيم مشربة بصوت الزاي، وراقب ان شئت من القراء المصريين من يعود اصله الى الصعيد تجد نطقه للجيم ربما خالطه صوت الدال. وراقب بعض القراء من الشام تجد الشين ربما خالطها صوت الجيم على نحو نطق بادية شمال الحجاز.
ويضرب الغامدي مثالا للحاجة الى دراسة التجويد صوتيا اننا لانزال نستخدم الحركة في قياس المد، بينما هناك اجهزة عديدة يمكن ان تقيس امد المد بشكل موضوعي واكثر دقة. فبذلك نستطيع عند تدريس التجويد القول إن امد الحركة 80 مليثانية، مثلا ويرى الغامدي ان هذا ينطبق على بقية احكام التجويد، فهناك اجهزة متعددة يمكن ان تعطي قياسات دقيقة لكم حكم من احكام التجويد. وما يقوله الغامدي صحيح جدا على المستوى النظري، فالقراءة بصفتها نشاط صوتي يمكن دراستها بدقة ويمكن رصد تلك الدراسة. ولكن على المستوى التطبيقي قد اتوقف في مثل ذلك فالتلقي الشفاهي قديم جدا ولم يكن بحاجة الى هذه الدقة. بل اعتقد ان مثل ذلك صعب على المتلقي فهو قد يضب الحركات بشكل تقريبي والمراد في المد اظهاره بشكل تقريبي يرتاح اليه السامع. ولو أنك اجريت القياس للقارىء في كل مرة يمد فيها الالف لوجدته يختلف في ذلك. فليس باستطاعة الانسان ان يكرر الصوت مرتين متماثلتين تمثلا تاما ولكن الاذن تهمل الفرق الدقيق لانها لا تدركه ادراك الأجهزة.