.."والله لو كان الفقر رجلا لقتلته" مقولة بليغة موجزة ينقلها لنا التراث العربي عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) لتؤكد لنا حقيقة الدرس الذي استوعبه في الحياة صاحبي جليل وأمير راشد من أمراء الخلافه الإسلامية الراشدة عن الآثار الاجتماعية والنفسية التي يمكن أن يسببها "الفقر" في حياة الناس.
.."الفقر" في التحليل الأولي هو "حالة اجتماعية" أصبحت في وقتنا الراهن مشكلة عالمية لها الكثير من الأبعاد والمسببات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وبالتالي فقد قل أن يوجد في المجتمعات الانسانية على طول هذا الكون وعرضه من لا يعاني, أو يشكو من وجودها - وان كان ذلك بطبيعة الحال بنسب متفاوتة بتفاوت درجة النمو الاقتصادي لكل مجتمع - إلا أن النتيجة النهائية تؤكد بان "الفقر" وما يتسبب فيه أو ينجم عنه ما هو الا قدر محتوم كتب علينا التعامل معه طائعين او مكرهين.
..من هنا كان الحديث عن "الفقر" حديثا متجددا لايمكن له أن ينتهي حتى يبدأ, والسبب في ذلك بسيط جدا لا اخاله يخاف على أحد والمتمثل في حالات البؤس والشقاء التي نراها في أعين الكثيرين من المحرومين صباح مساء والتي تستثير في كوامننا مشاعر شتى من الآلم تحيل حالات الصفاء والسعادة فينا الى شقاء.
..اننا ونحن نتعامل مع من نراهم, او من يقدمون لنا انفسهم بطريقة او بأخرى على انهم من "الفقراء" و"المحرومين" إنما ننسى فئة أخرى هي الأحق بالرعاية والمساعدة تلك فئة من تحدث عنهم القرآن الكريم واصفا سلوكهم "بالعفة" وواصفا تجاهلنا لهم "بالجهل" مصداقا لقوله عز من قائل: "يحسبهم الجاهلون أغنياء من التعفف" ووصفهم في آية اخرى بأنهم اولئك "الذين لا يسألون الناس الحافا"؟
..أسر كثيرة فقيرة محرومة تعيش بين ظهرانينا تشكو العوز, وضيق ذات اليد ولا أحد يسمع لها حتى مجرد "الأنين الظاهري" بعد أن كبتته بين الحنايا والضلوع وبالتالي فلا أحد يراها أو يدري عن وضعها المعيشي (الصعب جدا) والسبب في ذلك سلاح "التعفف" الذي رزقها الله به والذي من خلاله استطاعت أن تبقي على ماء وجهها نظيفا من أن يراق على أعتاب من انكر وجهل, او تجاهل اولئك "الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".
..إن اولئك "المتعففون" انما ينظرون لحالاتهم من خلال قناعة ايمانية مفادها ان "ما اصابهم لم يكن ليخطئهم" وبالتالي فهي "القسمة والنصيب" انطلاقا من إيمانهم المطلق بأن الله سبحانه وتعالى.. مقسم الأرزاق وبالتالي "فالشكوى لغيره مذلة" لذلك فلا غرو ان وجدناهم يعيشون حالة الثناء والحمد والشكر الدائمة على من قدر لهم هذا النصيب من الحياة المعيشية.
..أعلم ويعلم غيري ان هناك الكثيرين من اصحاب القلوب الرحيمة الذين يجعلون ابوابهم مشرعة دائما امام هذه الفئة, وتواصل جهودها الحثيثة ليل نهار للبحث عنهم, والوقوف معهم وقفات صدق احتسابا لما عند الله من اجل تخفيف معاناتهم.
..اننا ونحن نقدر الجهود لهذا البعض من فاعلي الخير, إلا أننا نطمح في بذل المزيد من الجهود التي لا تحتاج الى كثير من عناء للبحث عن هذه الفئات التي رزقها الله "نعمة التعفف" لأنهم كما سبق وأن أشرت "تعيش بين ظهرانينا" لا سيما واننا في ايام شهر البر والبذل والإحسان الذي كان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أجود ما يكون فيه.
..ورجاء آخر للجهات الحكومية المسئولة وأخص بها وزارة العمل والشئون الاجتماعية, وكذلك بعض الجهات, الخيرية في بلدنا أن تستثني مشكورة بعض الحالات من عمل بحث عن الحالة الاجتماعية لبعض الأسر المحتاجة لا سيما عندما يلمس من توكل له مهمة ذلك البحث حرجا من بعض فئات هؤلاء "المتعففون".. فالعمل الخيري لوجه الله والستر لظروف بعض الأسر.. مطلب اجتماعي.. يمكننا الوصول لعدد اكبر من هذه الأسر المتعففة.
ان فعل الخير - اخواني واخواتي - ليس مباهاة, او عملا للصخب الاعلامي, بقدر ما هو عمل انساني يبتغي الانسان من ورائه مرضاة ربه, وبالتالي يمكن له في حالات كثيرة متى ما صدقت النية ان يصل للمحتاجين اليه دون حرج او اراقة لماء الوجه.
..إنني اكرر النداء بضرورة البحث والتواصل مع هؤلاء الذين "يحسبهم الجاهلون اغنياء من التعفف" حتى يكون العمل الخيري شاملا لكل من يحتاجه من فئات المجتمع, فلا اجمل في الدنيا من مسح دمعة الم في مآقي محتاج, أو منع تلك الآهة المكبوتة من على شفة محروم.
تقبل الله منا ومنكم صيامنا وقيامنا وصالح اعمالنا.
وعلي الحب نلتقي