قال تعالى : (إنا أنزلناه في ليلة القدر@ وما أدراك ما ليلة القدر@ ليلة القدر خير من ألف شهر) (القدر 1ـ3) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شهر رمضان : (فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم) (رواه احمد والنسائي) وقال مالك : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر .
وأما العمل في ليلة القدر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة، وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضا .
قال سفيان الثوري : الدعاء في تلك الليلة أحب إلي من الصلاة. ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان ، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمه إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر. وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها .
وقالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها ؟ قال : قولي: "اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني" والعفو من أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيجب ان يعفوه عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك) رواه مسلم .
وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر، لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالا ولا مقالا، فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر .