في غضون جيل من الآن، يمكن ان يكون للغاز الدور المؤثر الذي يلعبه النفط في العالم في الوقت الحاضر، ولكن ذلك لن يفيد الشرق الاوسط كثيرا ما لم توضع اسعار الغاز في مسارها الصحيح.
ويمكن القول ان واحدا من اهم التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط خلال العقد الماضي تتمثل في ارتقاء صناعة الغاز في المنطقة، لاسيما دولة قطر ومع ذلك مازال الغاز اقل اهمية من النفط بالنسبة للاقتصاد القطري.
إن اتجاهات الأسواق الخاصة بالغاز مشجعة وتبشر بالخير، فقد توقع تقرير صادرعن مجلس البترول القومي الامريكي تم اعداده لحساب وزارة الطاقة خلال شهر سبتمبر الماضي.
ان الغاز الطبيعي المسال قد يمثل 15 % من اجمالي الاستهلاك الامريكي من الغاز عام 2025 مقارنة مع 1% فقط في عام 2002 ان الطلب على الغاز الطبيعي قد ينمو حسب التوقعات بواقع23 % خلال الفترة نفسها. وهناك اتجاهات اكثر اثارة للطلب والاستهلاك في كل من اوروبا واسيا
ومن هنا يمكن القول ان النظرة المستقبلية الى الغاز في الشرق الاوسط تبدو
مضمونة وفي امان، ولكن ماذا عن الاسعار؟
هنا تظهر حالات عدم اليقين ووضوح الرؤية بالنسبة للمشكلات والازمات التي يخبئها المستقبل، حيث ان الحكومات في مختلف انحاء العالم تقوم بتحرير اسواق الغاز من القوانين، في حين تتسابق شركات الطاقة للاستثمار في مشاريع وخطط الغاز، حيث ان الاحتياجات ماسة، ولكن النتيجة قد تكون عبارة عن اضطراب وتشوش في سوق الغاز العالمي .
وتعتبر المملكة المتحدة من احدث الامثلة الصارخة حديثة العهد في هذا الصدد، فمنذ الثورة الصناعية ظلت بريطانيا تتمتع بالاكتفاء الذاتي في الطاقة التي تحتاجها لابقاء عجلة الصناعة في حالة دوران مستمر. وكانت صناعتا الفحم والطاقة النووية تتلقيان الدعم، بصورة محددة من اجل تحقيق هدف استراتيجي يتمثل في تجنب الاعتماد في مصادر الطاقة على مسافات نائية. . وكان اعتماد المملكة المتحدة، بصورة او بأخرى، على مصادر طاقة مستوردة من خارج القارة الاوروبية فقط منذ اواخر الستينات حتي عام 1980 عندما تم استيراد كميات محدودة من الغاز من الجزائر
ولكن يبدو ان هذا الوضع سيتغير بصورة حادة فقد تضمن تقريرحكومي صدر في فبراير الماضي توقعات بان بريطانيا ستكون معتمدة الى حد كبير على النفط والغاز المستوردين من الخارج بحلول عام 2020.
وفي عام 2002 اعلنت الشركة التي تجمع شركة قطر للبترول مع شركة ايكسون موبيل الامريكية عن خطط لتوريد الغاز الطبيعي المسال من قطر، ومن الخطط المرسومة للمشروع ان يتم تزويد بريطانيا بما يعادل 15
مليون طن من الغاز سنويا، وهوما يعادل 15. % من احتياجاتها من الغاز .
اما شركة بي بي التي تعرف تقليديا بانها المسيطرة على اسواق الطاقة في بريطانيا، فقد استجابت نهاية شهر اكتوبر الماضي الى الاعلان للدخول في شركة تضامنية مع شركة سونطراك الجزائرية لتوريد حوالي 4 ملايين طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال، نصفها تقريبا من الجزائر. كما يحتمل ان تكون روسيا ممولا كبيرا .
تقول الحكومة البريطانية انه على النقيض مما كان عليه الوضع في الماضي، فانه ينبغي ان تترك الفرص للسوق ليحدد كيفية تطور قطاع الغاز في بريطانيا ان هذا المنطق يبدو وكأنه لا غبار عليه، ولكن التاريخ يثبت ان لهذا التوجه نقيصة مزدوجة، اذ يخشى ان تحصل ارتفاعات في الاسعار تكون لها اثار اقتصادية مدمرة على المدى القصير، وقد تكون هذه الارتفاعات نتيجة لسوء التقديرات والتوقعات ولاضطرابات في العرض فضلا عن التدخلات السياسية اما على المدى البعيد، فان المشكلة تكاد تكون معكوسة، حيث سيكون ثمة فائض في المعروض وتراجع الاسعار مما يؤدي الى عوائد متدنية بالنسبة للمستثمرين .
ان مشاريع الغاز الطبيعي المسال التي هي قيد التطوير والاعداد في ابوظبي والجزائر ومصر وليبيا وايران وعمان وقطر، تقوم جميعها على قاعدة افتراضية بان الاسعار ستظل مرتفعة ومرتبطة باسعار النفط. غير ان الاتجاهات التي لوحظت اخيرا في دول الشرق الاقصى توحي بان هذه الافتراضات ليست الا اوهاما، حيث انه بدون ادارة كفؤة للسوق، فان اسعار الغاز قد تهبط الى الحضيض.
ان هذه المسألة لم يتم تناولها حتى الان بصورة جدية. ولكن التجارة العالمية
بالغاز الذي يتم نقله بواسطــة خطـــوط الانــابيب او الناقلات ستكــون منافسا، من حيــث الحجــم والتــــعقيدات، لأسواق النفط العالمية الحالية. وعندئد ستصبح اسعار النفط العالمية مهمة بالنسبة لاقتصادات دول الشرق الاوسط كأهمية اســـعار النفط العالمية.