عزيزي رئيس التحرير
قد يعتقد البعض أن الأناقة موضوع يختص بالماديات وأدواتها.. فهناك المرأة الأنيقة والرجل الأنيق والطفل الأنيق وغلاف المجلة الأنيق والمنزل الأنيق والسيارة الأنيقة وغيره، فنلاحظ مثلاً كم يقع الموسرون في خطأ تكديس الأثاث المعقد بكافة أنواعه فلا يتركون زاوية من المنزل إلا ويزجون فيها بما خف وثقل للتوصل إلى منزل في اعتقادهم أنه أنيق. إن الأناقة عبارة عن سلسلة لا نهاية لها، حلقاتها متشابكة تتضمن أيضاً حلقة مهمة تتمثل في السلوك الإنساني المعتدل فهو يعتبر بمثابة "الترمومتر" الحساس الذي يرفع درجات الأناقة إلى أعلاها أو يهبط إلى قعرها بغض النظر عن أناقة مظهر صاحبه أو صاحبته. كما أن الأناقة بقدر ما هي مرتبطة بمظهر الناس والأشياء إلا أن خلفها تكمن صناعات وحركة سوق ضمن عالم المال والاقتصاد ولا يجوز أن نقع ضحايا لتسويق سلع لسنا بحاجة إليها فعلاً فنكون مستهلكين لمنتجات أصلاً لا تسوق في البلاد المصدرة، لاشك في أن الأناقة تعكس ذوق صاحبها ورقيه وكثيراً ما يحدث الخلط عندما نحكم على أناقة الغير وعناصرها فلا نعترف مثلاً بقصد أو بدون قصد بأن أناقة شخص أو مكان يعود فعلاً إلى الذوق والبساطة والفن البعيدين أصلاً عن التعقيد والتكديس اللذين يقودان إلى الابتذال فنجد أن المرأة تكاد تكون الضحية الأولى بشراء لا تحتاجه فهي كثيراً ما تقع في مطب الاعتقاد بأنه كلما ضاعفت من موديلات الملبس والمكياج والحلي ستغدو أنيقة أكثر وشتان بين الأناقة والبهرجة، إن الأناقة عبارة عن لحن عذب يحيط بالحيز الذي يشغله الإنسان أو الأشياء لينساب في روح الناظر عطراً منعشاً تهدأ له النفس بعكس البهرجة التي تثير عاصفة من النشاز المتعب لنفوس الناظرين. وهكذا فإن بساطة المظهر المقترنة بالذوق الرفيع هما عنوان الأناقة الصارخ التي يخطئ البعض في تفسيرها. قد يحاول الكثيرون تقليد ما يرتديه الآخر أو وضع أثاث مماثل شاهدوه في مكان ما دون أن ندرك أن القالب الأنيق مرتبط بروح الإنسان والمكان اللذين يضفيان لمساتهما الأخيرة المؤثرة سلباً أو إيجابيا،ً فالروح لا تباع ولا تشترى لأن التناسق المتوازن بين الداخل والخارج هو الذي يضفي الأناقة على الإنسان حتى لو ارتدى خشن الثياب، طبعاً يمكن اكتساب الأناقة بالممارسة ولكن بشرط أن يؤمن ويلتزم وصاحبها بأصولها وقواعدها البعيدة عن الأفراط إلا أن التفوق الحقيقي يبقى للموهبة والفطرة. وأخيراً نعود لنذكر أنه يبقى الجزء الأهم في مسلسل الأناقة وهو التصرف الأنيق القائم على احترام الآخرين الذي نصر على بعثه من جديد في ظل الأعاصير الطبيعية والمصطنعة التي تعصف بواقعنا.
- محمد وراد الرويلي- القريات