عندما نقل الرسال دينغ يي محترفه إلى مخزن متداع على ضفة ترعة سوجو قبل سنتين شارك في إنشاء شيء جديد في هذه المدينة المشتهرة كمركز للتجارة والأعمال وكان هذا الشيء الجديد ضاحية للفنانين. وقد كان عدد الرسامين والنحاتين الذين تبعوا يي إلى هذا المكان كبيرا إلى درجة أن الصحف بدأت تسمي الحي (سوهو) شانغهاي, نسبة إلى حي سوهو الشهير للفنانين في نيويورك . وسرعان ما تم افتتاح صالات عرض العمال الفنية التي اجتذبت جامعي الفنون من الاثرياء الصينيين والأجانب. إلا أن الحي البوهيمي لم يتناسب مع تخطيط تنمية المدينة. فاليوم يجري هدم مخازن سوهو (soho) المقامة على مساحات واسعة لكي تستوعب الأرض أحلام مخططي المدن لإقامة أوتوبيا حضارية عصرية- من حدائق عامة وناطحات سحاب سكنية تتسع لمئات العائلات. ويأتي التغيير في الوقت الذي تمضي فيه المدينة الكبرى في الصين في تنفيذ مشاريع تجميل مدينية تهدف إلى تحويل نفسها إلى مركز تجاري ضخم. غير أن هدم المخازن والعنابر على ضفاف ترعة سوجو يعتبر مؤشرا إلى أن التنمية صارت تثقل كاهل المدينة بصرامتها. وتشير إحصاءات البلدية الى أنه تم هدم أكثر من 70 ألف مبنى منذ أن بدأت موجة بناء شانغهاي في مطلع التسعينيات الماضية. فلقد اختفت من وسط المدينة أحياء عديدة من الأبنية السكنية التقليدية التي يعود تاريخها إلى انطلاق الثورة الصناعية في الصين في مطلع القرن العشرين لكي تحل مكانها الأبراج الشاهقة ذات الواجهات الزجاجية لتخدم كمكاتب للمؤسسات التجارية. ويقول مخططو المدينة ان ثمة مئات من الأبنية التاريخية والأكثر جمالا من غيرها ستنجو من مطارق وجرافات الهدم. إلا أن هوا نج جيمينغ, كبير المهندسين في معهد أبحاث تخطيط وتصميم شانغهاي, يقول انه ينبغي أن يكون هناك توازن بين المحافظة والتنمية, ونحن لا نزال بلدا ناميا. مهندسو البلدية من أمثال هوانغ يصنعون خطط التنمية قبل سنوات من مواعيد التنفيذ. وفي قاعة عرض التخطيط التابع للبلدية, يأتي سكان شانغهاي ويتحلقون حول مجسم تفصيلي لما ستكون عليه المدينة في العام 2020 لمعرفة ما إذا كانت منازلهم ستبقى في أماكنها أم لا. والكثير من الأبنية الجديدة هي مشاريع استثمارية خاصة. وقد أدى هذا التزاوج بين التخطيط المركزي والسوق إلى إنعاش شانغهاي بعد عشرات السنين من الإهمال الذي تعرضت له في ظل الزعيم الشيوعي ماتوسي تونغ الذي عاقب المدينة كالعاصمة الرأسمالية لآسيا قبل الثورة. ولكن النقاد يقولون ان شانغهاي قد تعود إلى المعاناة إذا لم تعط حرية أكبر لكي تنمو تلقائيا. ويدعو هؤلاء إلى السماح للأحياء القديمة إلى إعادة اختراع نفسها وتكوين هوية جديدة لها. ويقولون ان تنوع الأحياء والتاريخ العريق هو الذي يجعل من المدن مثل نيويورك, مراكز ثقافية وتجارية في آن واحد. ويقول لو يونغيي, أستاذ تخطيط المدن في جامعة تونغجي في شانغهاي, انه عندما يكتشفون أن هذه الأحياء المهدمة كانت أشياء ذات قيمة وقابلة لإعادة الإعمار سيكون قد فات الأوان. ولا يزال كثيرون يعتبرون شانغهاي ابن عم مادي ضحل للعاصمة السياسية بيجينغ. وتجتذب جامعات بيجينغ ومعاهد الفنون فيها الهوامش الأكثر خشونة للثقافة الصينية - من راقصي الروك البانك إلى المفكرين التفكيكيين. وقد بدا أن إحياء شانغهاي ثقافيا ممكن خلال بيانال الفنون في العام 2000 عندما نالت العروض "الخطرة" البديلة في استديوهات ترعة سوجو ثناء أكثر مما نالته المعروضات الرسمية في متحف الفنون في المدينة. واليوم أصبح حي سوهو شانغهاي مقاما لأكثر من 25 من أبرز الفنانين العصريين في المدينة فضلا عن وجود صالتي عرض كبيرين للأعمال الفنية. وكان أبرز المنتقلين إلى الحي الرسام دينغ الذي اختار عنبرا للقطن مهجورا بناه البريطانيون بسبب سعته وضآلة إيجاره حيث رسم عشرات من اللوحات الضخمة. ويقول دينغ ان الفنانين ينجذبون نحو الأبنية القديمة المبنية من الآجر, والشوارع المهترئة وصفير العوامات التي تعبر ترعة سوجو التي تمر بالقرب من الحافة الشمالية لوسط شانغهاي. ويتبادل هؤلاء الآراء ويحاولون ايجاد مشاهد جديدة للمدينة. ويضيف دينغ: هذا الحي كان شيئا ظهر من تلقاء نفسه, لأن أجواءه تناسبت مع الفنانين.ويتحدث أصحاب صالات العرض والفنانين عن ايجاد نفس الأجواء في أماكن أخرى ولكنهم يعترفون بانه من الصعب العثور على حي مناسب آخر, ولا يبدو أنهم ينسقون الجهود من أجل العثور على مساحة جديدة, ولعلهم يأملون في أن تنبت مستعمرة فنانين جديدة في مكان آخر بنفس التلقائية والعفوية. ويقول دينغ وفنانون آخرون في ترعة سوجو ان مسئولي المدينة يرفضون التباحث معهم بشأن إنقاذ المخازن من الهدم. "إننا صغار جدا" إننا أشبه بالنمل الذي تكتشفه عندما تنظف المطبخ, كما يقول لورنز هلبلينغ السويسري المقيم في شانغهاي منذ وقت طويل والذي يملك صالة عرض للفنون على الترعة ويتوجب عليه أن يرحل عن الحي.