DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

نوافذ مفتوحة على الوجع الإنساني

نوافذ مفتوحة على الوجع الإنساني

نوافذ مفتوحة على الوجع الإنساني
نوافذ مفتوحة على الوجع الإنساني
قد تكون الدعوة الى الخير من خلال الشر دعوة صادمة لمن يتلقاها وقد يكون تصوير الجمال من خلال القبح تصويرا موجعا ومؤلما. لكن برغم ذلك تظل فلسفة تصوير الشيء من خلال نقيضه، لها ما يبررها، وتظل مسلكا منطقيا لا يمكن اغفال جدواه خصوصا عندما يكون المؤمن بها يتعامل معها على انها قضية حياة، وانها الطريق المغاير للرفض وعدم التصالح مع القيم العدائية التي تورث الالم، وتولد المعاناة الانسانية وهذا ـ بالضبط ـ ما يمكن اسقاطه على التجربة التشكيلية للفنانة غادة بنت مساعد التي تعتمد كليا على جدلية الصراع بين الاضداد وتحاول طرح اعمالها عبر وحدة عضوية يجمعها نسيج انساني مترابط ومتشابك لتكون صوتا شديد الخصوصية على خريطة التشكيل السعودي بشكل عام. صدمة جارحة هل بالامكان ان نتعامل مع لوحة تشكيلية بمنطق انها تضع السم في العسل؟ ـ ربما يكون هذا السؤال صادما بعض الشيء، لكنه ليس بعيدا عن جوهر التجربة التشكيلية لدى الفنانة غادة بنت مساعد فأعمالها بشكل عام تستند الى منطق "الصدمة" لانها تؤرخ للحقيقة الجارحة تلك الحقيقة التي نعرفها جيدا، ولكننا لا نتوقع ان يصرح بها احد، فالفنانة تسجل المآسي الانسانية التي تشبه "السم" في لوحات فنية نتلقاها ونتفاعل معها وبعد لحظات قليلة نشعر بأن الما بدأ يسري في مشاعرنا نشعر بأنها وضعتنا امام مواجهة صعبة مع واقعنا الانساني المر وكأنها من خلال اللوحة تعطينا مفتاحا للدخول الى عالم متناقض، فلا نملك الا ان نطلق العنان للخيال، نشاهد لوحة (صدام حسين) فنتذكر ما آلت اليه العراق نسترجع ملامح حضارة مابين النهرين ونتحسر على ما تتعرض له من وأد واستلاب وطمس، نشاهد لوحة "هتلر" فنتذكر فجائع الحروب، وكيف ان ظلالها السوداء تغطي حتى مساحة البياض التي في نفوسنا، نشاهد لوحة عن تعذيب المعتقلين في سجن ابو غريب فندرك النتيجة الحتمية لاي حكم استبدادي، وما يمكن ان يورثه الحاكم لشعبه من المذلة والمهانة، نشاهد اشياء كثيرة مثل الرجل الذي وضع القفل على فمه في اشارة لغياب حرية التعبير، والرجل المعلق في مشنقة والارض من تحته مزروعة بالجماجم وكأنه ليس اول الضحايا ولا آخرهم، هكذا.. تعبر غادة بنت مساعد عن المعاناة الانسانية وفق اسلوب خاص، وفلسفة تقوم على تفعيل الحوار التصادمي بينها وبين المتلقي، فالذي يذهب ليشاهد اعمالها لابد ان يتخلص من النظرة التقليدية التي يعتقد اصحابها ان زيارة معرض تشكيلي يعني مشاهدة رسومات جميلة والوان زاهية وموضوعات مفرحة خصوصا اذا كان المعرض لامرأة فالمتلقي العربي لايزال يعتقد بان المرأة لم تتجاوز حدودها الانثوية في مفهومها للعالم لذلك تصدمه اعمال فنانة مثل غادة بنت مساعد تحمل في اعمالها هما انسانيا جعلها صاحبة قضية لدرجة انه يصعب فصل عمل من اعمالها عن ذلك المبدأ الذي آمنت به رؤيتها الفنية فهي تبرز ملامح الشر الذي يسود العالم، ترفضه بملامح قاسية تسيطر على الوجوه التي ترسمها وتفتح طاقة اخرى لنرى النقيض، نرى الخير من خلال كرهنا للشر، ونرى الجمال من خلال امتعاضنا للقبح، ونرى السلام من خلال شعورنا بالانكسار امام آلة الحرب. بصرية السرد قد يكون الحديث عن العملية السردية، اقرب لفن القصة والرواية منه الى فن التشكيل، لكن الحقيقة تشير الى علاقة خفية بين التشكيل والحكاية فكل لوحة من اعمال غادة بنت مساعد هي فاتحة لواحدة من الحكايات الموجعة، وكأن اللولحة ليست اكثر من بوابة عبور الى فضاء آخر، فضاء يتحقق عبر الخيال، وينتقل من البصر الى البصيرة في ترابط درامي سردي يميل الى الحكاية وهنا تكون اللوحة مجرد غلاف خارجي للكتاب الذي يجب ان نطالع صفحاته، وكأننا عندما نشاهد لوحة مثل السجين المنكسر المتقيد بالسلاسل والاغلال لا يجب ان نكتفي بهذا القدر وانما علينا ان نستدعي كل الظروف والاسباب بأسلوب دراماتيكي، لنعرف الحقيقة التي ادت بذلك السجين الى هذا الواقع سواء كان ظالما ام مظلوما، من هنا تتضح معالم البعد السردي الحكائي في اعمال غادة بنت مساعد يضاف الى ذلك الخيط الدرامي الشفيف الذي يجمع بين كل لوحاتها بغض النظر عن اختلاف موضوعاتها، فهي تحرص على التنويع في طرح الموضوعات، لكن كل تلك الموضوعات يربطها خيط درامي واحد هو البعد الانساني الذي يعلن حالة من الرفض للظلم والشر، والقبح والصمت كما يرفض التهميش والتعذيب والكراهية انتصارا للقيم الانسانية النبيلة، فتبدو اعمالها وكأنها لوحة واحدة مكونة من عدة اجزاء تختلف باختلاف موضوعها وحالتها الانفعالية، وطقوسها الخاصة وتظل وثيقة الصلة بالوحدة العضوية المتمثلة في القضايا الانسانية. محورية الشخوص مع ان كل مكونات الطبيعة يمكن ربطها بالانسان، الا ان اعمال غادة بنت مساعد تحاول مقاربة الامر برؤية عكسية فيكون الانسان اولا ثم يتم ربط كل المكونات الطبيعية به وكأنه المحور الاساسي في صيرورة الحياة، ومن هنا نجد الفنانة تولي اهتماما بالغا بالشخوص، فالانسان سواء كان رجلا ام امرأة هو البطل الحقيقي في لوحاتها فاللوحة لديها لا تميل الى كثرة التفاصيل ولا تعدد العناصر وانما تميل الى الاختزال والتركيز على عنصر اساسي تذهب اليه عين المتلقي مباشرة هي لا تشغل المشاهد لاعمالها بكثرة الالوان ولا تداخل الخطوط، ولا زحام العناصر، لا تهتم بما يمكن ان تضيفه الخلفية ولا دقة المنظور ولا منهجية التكوين من منظور اكاديمي ولا انسجام الالوان مع بعضها البعض، وانما تضع هدفها في نقطة ارتكاز محددة تشد اليها انتباه المشاهد، فيدخل بشكل تلقائي عفوي الى المضمون بدون ان يلتفت الى اسس البناء وهي هنا قد تضع نفسها امام اشكالية من المنظور الاكاديمي المبني على قواعد مسبقة ومتفق عليها، فيبدو عدم الالتفات لقواعد البنائية خللا في تكوينات اللوحة لكن عندما نلاحظ قدرتها على التشريح والتركيز على اظهار تفاصيل الجسد كالعضلات والاغناءات والنتوءات والتجويفات وكل التفاصيل التي توضح انفعالات الجسد البشري في حالاته المختلفة باختلاف الموقف يمكن لنا الوقوف على حقيقة معينة وهي ان الفنانة التي تملك القدرة على رصد كل هذه التفاصيل لا يمكن ان تخفق اذا ارادت الالتزام بأسس التكوين في العمل الفني، وهنا يبرز السؤال: لماذا اذن تحاول غادة بنت مساعد كسرا القاعدة المألوفة؟ الاجابة قد لا تكون صعبة اذا ما عرفنا ان هذا الفعل ناتج عن قصدية، فكسر المألوف هو اساسا جزء من ملامح تجربتها التي تبني نفسها عبر علاقة تصادمية، ليس مع المتلقي فقط، بل مع العالم بشكل عام، فاذا كانت المعاناة الانسانية كسر لقيم التسامح والخير فكل شيء يمكن ان يتعرض كذلك للكسر حتى القواعد الفنية الراسخة يمكن التمرد عليها كشكل من اشكال الرفض، وكصورة من صور عدم التصالح مع الواقع بكل ما فيه، هذا الواقع ليس مبنيا على اسس سليمة التكوين، ألوانه ليست منسجمة، خلفياته ليست مبهجة وخطوطه ليست مستقيمة، لذلك جاءت لوحات الفنانة تعبيرا عن ذلك الخلل الواضح في منظومة الحياة الانسانية. ان الفنانة غادة بنت مساعد في تجربتها التشكيلية بشكل عام تنطلق من قيم جمالية شديدة التشابك مع الحياة مع الواقع بكل تناقضاته ومع الوحدة العضوية لقناعات الذات، ملامحها الفنية لا تتبدل مع كل عمل ولا تختلف من مرحلة الى اخرى اسلوبها واضح ويقينها الانساني متيقظ، والوجع الذي تحمله لوحاتها يبدو كما لو كان "حبرا سريا" ترسم به الوجه الحقيقي للمرأة الناضجة، المرأة التي تعيد صياغة المفاهيم المغلوطة عن نساء الواقع المخملين وتطرحها بشكل مغاير، لتكون حالة انسانية متشابكة مع العالم بالمفهوم الانساني الذي لا تعيقه الحواجز والحدود.

أخبار متعلقة