أخبار متعلقة
ربطت تحليلات سياسية محايدة الحرص الامريكي على تنفيذ قرار مجلس الامن الاخير والخاص بأزمة دارفور وبين رغبة الادارة الامريكية الحالية بقيادة جورج بوش الابن في السيطرة على النفط السوداني لتعويض الطلب الامريكي المتزايد على نفط الشرق الاوسط والذي ادى الى ارتفاع سعر البرميل الى 43 دولارا رغم تدخل اوبك في يوليو الماضي بزيادة سقف الانتاج الى 1.5مليون برميل يومياً بعد اقتراح سعودي واشارت تلك التحليلات والتكهنات الى عدم اقتناع الادارة الامريكية بتقارير ميدانية دولية داخل دارفور اكدت عدم دقة المعلومات الامريكية حول الاوضاع الانسانية في الاقليم وانها ليست بتلك الصورة البشعة التي صورتها للاعضاء الدائمين في مجلس الامن بدرجة جعلتهم يتحمسون لفرض نوع من العقوبات على السودان مالم تحل الازمة قبل انقضاء مهلة الـ 30 يوماً التي حددها القرار والتي اوشكت ايضاً على الانتهاء.
( رؤية سودانية )
ورغم الطموحات الامريكية لجعل النفط السوداني مساعداً لنفط بعض دول الشرق الاوسط في المرحلة القادمة الا ان ابرز القوى السودانية الفاعلة ترى استحالة استيعاب المصالح الامريكية للوصول للنفط حسب رؤية الصادق المهدي رئيس حزب الامة المعارض الذي اكد ان النفط للسودانيين ولن يقبل الشعب السوداني ان يكون مطمعاً لقوى خارجية تحاول السيطرة عليه تحت اي مبررات .
بينما اشار د. عوض الجاز وزير النفط والتعدين السوداني في محاضرة القاها مؤخراً بمركز الشيخ زايد للتنسيق والمتابعة بالجامعة العربية ان السودان الذي من الله عليه بثروات كبيرة ومختلفة ولم يستطع استغلالها بسبب الاستعمار والحروب الاهلية يعلم تماماً من اهداف من يدقون طبول الحرب ضد بلاده بعد اكتشاف النفط في اراضيه حيث بدأت هذه الصناعة منذ سنوات قليلة وتحول السودان من بلد مستورد للنفط الى بلد مكتف ذاتياً ثم بلد مصدر ويسهم النفط بحوالي 40 بالمائة من الميزانية العامة واشار الى ان علاقة الولايات المتحدة مثل باقي الشركات .
موضحاً ان حجم الاستثمارات في النفط السوداني بلغ نحو 6 مليارات دولار في شكل اموال مباشرة ومعدات ومعظم الشركات التي تعمل بقطاع النفط قدمت من اوروبا وشرق آسيا بعدما بدأ السودان بانتاج 150 الف برميل ثم ارتفع ليصل الى 250 الف برميل لكنه يسعى الى التوسع من طاقة الانابيب وان هناك 3 حقول اخرى من المنتظر ان تبدأ في مراحل الانتاج واقامة المنشآت السطحية وبناء الانابيب.
رائحة النفط
وفي دراسة للباحث اللبناني غسان مكحل معنونة بـ "ازمة دارفور بين المآسي الانسانية والاطماع الخارجية" يشير الى ان رائحة النفط تجتذب الدول العظمى وتؤجج الصراع وانه على مدى العقود الثلاثة الماضية قلما اهمت الدول العربية بصراع الا اذا كان الطمع في النفط هو خلفيته الفعلية غير المعلنة في غالبية صراعات الشرق الاوسط الحالية وان الحرب في الجنوب السوداني عام 1983 كان يحركها النفط وهو ما يفسر تمسك الولايات المتحدة بالتدخل مباشرة في مناطق وبلدان معينة وعزوفها عن التدخل في مناطق اخرى تعاني نفس المشكلات والمآسي الانسانية كما تطرح تساؤلات حول الخروج الامريكي السريع من لبنان والصومال والبقاء في مناطق اخرى.
ويقول غسان مكحل ان السؤال الذي يطرح نفسه حالياً، تحديداً بشأن الصراع الدائر حول دارفور محلياً ودولياً هل النفط عامل اساسي، وان كان خافياً، وراء الاهتمام الدولي الامريكي والفرنسي والبريطاني بالاهتمام بمأساة دارفور، خصوصاً ان تلك الدول ليست مؤسسات خيرية انسانية، تحديداً لصالح شعوب غربية، بل مؤسسات تلهث وراء السيطرة والنفط والنفوذ.
ويجيب عن تساؤله من خلال عدة ملاحظات الملاحظة الاولى، التي ترد الى الخاطر في محاولة تتبع مع يجري في دارفور ان السودان واحد من اغنى اربع دول عربية من ناحية الامكانيات والقدرات المستقبلية، الى جانب العراق والجزائر والمفارقة ان ثلاثا من هذه الدول عاشت على مدى العقدين الماضيين حالة من الاستنزاف والدمار الداخلي، مرفقة بسلسلة لا حدود لها من التدخلات الخارجية، وانواع الحصار وحتى العقوبات.
مشيراً الى ان هذه الملاحظة يمكن الى حد كبير ان تدل على جانب من الاسباب الاساسية وراء الحملات على البلدان العربية، تحديداً الغنية بثرواتها، ومن ابرزها السودان، وهو ما يمكن ان يفتح مجال التحليل والاستدلال في باب المطامع الخارجية بالثروات العربية، وهي مطامع يمكن ان يكون السعي وراء تحقيقها قائما على امرين: نشر الاضطراب السياسي والاهلي والفوضى غير المحسوبة، وايضاً التشويش في مجال الهوية والثقافة والانتماء.
الرغبة في السيطرة
ويشير الباحث اللبناني الى ان الامتداد بين دارفور وتشاد ليس امتداداً قبلياً فقط، بل يقال انه امتداد نفطي، اذ ان الخزانات النفطية الجوفية المتوقعة او غير المستكشفة في غالبيتها تمتد او تتقارب على جانبي الحدود ناهيك عن مشروعات ما زالت غير متداولة عن امكانية ربط النفط السوداني تحديداً من مناطق بحر الغزال بشبكات انابيب تمتد عبر تشاد الى ليبيا، بما يسهل تصدير النفط السوداني والتشادي الى اوروبا عبر سواحل البحر المتوسط.. وهو مشروع بوشر الحديث عنه منذ بداية اكتشافات النفط السوداني خصوصاً انه يقلل من اكلاف نقل النفط الى أوروبا ويؤمن للأوروبيين مصادر نفط اضافية قريبة، وتقلل من اعتماد الاوروبيين على النفط من مناطق النفوذ الامريكي المباشر موضحاً ان الغضب الفرنسي غير المعلن من السلوك الامريكي في السودان يعود اساساً الى ان الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على شركات النفط الغربية الاخرى اثناء ازمتها مع السودان منذ الثمانينيات لمنع الاستثمار في النفط السوداني ثم عادت واحتكرت غالبية المشروعات النفطية لمصلحة شركاتها.
وهو ما يعني الى حد بعيد ان السلام في الجنوب برعاية امريكية والصراع الحالي في دارفور برعاية خفية فرنسية، هو جانب من الحرب النفطية العالمية، خصوصاً ان السيطرة على النفط سلاح امريكا الاقوى للسيطرة على العالم ومنع اوروبا من ان تشكل في المستقبل منافساً حقيقياً للولايات المتحدة الامريكية على مستوى العالم.
كما ان جانباً اساسياً من الصراع الفرنسي الامريكي في شمالي افريقيا وغربها يعود الى الرغبة في السيطرة على النفط، الذي هو مفتاح القوة في العالم ولا بد من الانتباه هنا الى ان فرنسا هي رأس الحربة سياسياً لاوروبا الغربية القارية.
التحرك الامريكي
ويكشف محلل ابعاد التحرك الامريكي السريع في دارفور والمتمثل اساساً في زيارة وزير الخارجية الامريكية كولن باول الى دارفور في ان الادارة الامريكية ارادت الاسراع بأخذ زمام المبادرة، وقطع الطريق على اي طرف آخر، ليقوم بدور الرعاية للعملية السياسية الجارية حالياً بالنسبة الى دارفور وبالمقابل فان الحكومة السودانية تعيش مأزقاً حاداً يتمثل في الخشية من تحول الصراع في دارفور الى صراع مماثل لذلك الذي جرى في الجنوب.. وايضاً في الخشية من اغضاب امريكا القادرة على فرض عقوبات دولية صارمة والتي باتت فعلياً شريكاً اساسياً في السلطة في الخرطوم عبر حركة جارانج ورعايتها اتفاق السلام مؤكداً ان دارفور باتت مجدداً منطقة صراع دولي كما كان الامر في اوائل القرن العشرين حيث هدد التنافس عليها بين بريطانيا وفرنسا باشعال مبكر للحرب العالمية الاولى، ويمكن الاعتقاد ايضاً ان التنافس بين دور اساسي لمنظمة الاتحاد الافريقي ودور اساسي للامم المتحدة في دارفور، هو في حقيقته انعكاس للصراع الدولي الدائر في دارفور، والذي تتغذى مطامعه على مآسي اهالي دارفور على اختلاف اعراقهم ولهجاتهم.
تركيز الغرب على المشكلة الانسانية (شماعة)