مدخل تاريخي لأهمية المنطقة:
منذ عصور بعيدة والأحساء ذات أهمية كبرى في شبه الجزيرة العربية بحكم موقعـها الجغرافي المتميز على ساحل الخليج العربي، ونقطة التقاء القوافل التجارية التـي تمر عبر طرقها حيث تصل شرقي شبه الجزيرة العربية ببلاد فارس والهند وبلاد الشرق الأقصى، ولخصوبة أراضيها ووفرة مياهها جعلت منها منطقة جذب للاستقرار والبقاء للعيش فيها، والتآلف مع طبيعتها لكل من عرفها أو مر بساحتها لأن ميدانها الفسـيح وواحتها الخضراء ساعد على تمازج أقوام أجناس مختلفة منذ زمن بعيد، فتعارضت فيها الآراء والأفكار، وتلاقحت فيها الحضارات، وامتزجت بها تجارب الأمم، وتؤكد الاكتشافات الأثرية وعلم مقارنة اللغات أن الخط الفينيقي هو مصدر الخطوط السـامية، وأن الفينيقيين هم أول من ابتكروا نظاماً خاصاً لكتابة الحروف الأبجدية حيث يتكون من اثنين وعشرين حرفاً، كما كان ميناؤها " العقير" المنفذ البحري الوحيد آنذاك للمنطقة الوسطى من المملكة، وواحة الأحساء هي أكبر واحة زراعية، ومن أكبر الواحات في العالم، وتمتد بين ساحل الخليج العربي، وصحراء الدهناء، وصحراء الصمّان، وتشكل الحدود الشرقية للمملكة مع دولتي قطر والإمـارات وسلطنة عمان، ومن مآثرها التاريخـية بناء مسجد " جواثا " الذي يعتبر ثاني مسجد في تاريخ الإسلام أقيمت فيه صلاة الجمعة بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وتميزت المنطقة منذ العصر الجاهلي بعطائها الثقافي المتميز واهتمام سكانها بالأدب والشعر، ولا غرابة في ذلك فأسواقها الموسمية بمثابة ندوات أدبية حفلت بالإبداعات الثقافية والفكرية يقصدها الكثير من الوافدين من مختلف أنحاء الجزيرة العربيـة لإظهار إبداعاتهم وتخليد أعمالهم، ومن أسواقها الأدبية سوق المشقّر وسوق هجر وسوق الزارة وسوق الجرعاء وسوق دارين، ومن أبرز فرسان تلك الأسواق وأشهرهم " الجارود العبدي، وطرفة بن العبد " صاحب المعلقة الشهيرة ومطلعها
لخولةِ أطلالٍ ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد ما قبل التعليم الحديث
المنطقة عبر العصور الإسلامية في تفردها في مسيرتها الثقافية الرائدة رغم ما حـل بديار المسلمين في بعض الفترات من فتن واضطرابات ومحن، معظمها على حدودها أو داخل ساحاتها، ورغم كل هذا وذاك فعطاؤها الثقافي فاق بقية أقاليم الجزيـرة العربية دون مراء، وكان التعليم فيها قديماً قدم التاريخ الإسلامي، ( فمنذ ظهور الإسلام والأحسـاء أحد مواطن وروافد العلم والتعليم في شبه الجزيرة العربية، وكانت.. بذلك.. تلي مكة المكرمة والمدينة المنورة مباشرة في نشاطها العلمي والتعليمي، وخاصة في مجالات تدريس القرآن الكريم والعلوم الدينية وغيرها من الشرائع الإسلامية، حيث العلمـاء والكتاتيب ومدارس الوعظ وتجسد دور المساجد في الحلقات العلمية المنتشرة لتعليم القرآن الكريم وتجويده وتفسيره وشرح علوم التوحيد والفقه والفرائض ومبادئ القراءة والكتابة وغيرها، موزعة في أحياء الكوت والنعاثل والصالحية والرفعة ومدينة المبرز والقرى الشرقية والشمالية وكل تلك الحلقات والمدارس الوعظية والكتاتيب وغيرها امتداد للتعليم الإسلامي عبر قرونه الطويلة منذ دخول عبدالقيس في الحظيرة الإسلامية إلى أن بدأ التعليم النظامي الحديث المعروف بمناهجه الحالية في وطننا الغالي. وتنقسم الكتاتيب في المنطقة إلى ثلاثة أنواع: ـ
1ـ كُتّاب خاص بتدريس القرآن الكريم وحفظه وتجويده.
2ـ كُتّاب يقوم (المطوع) فيه بتدريس القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة.
3ـ كُتّاب خاص بتدريس الحساب والقراءة والكتابة. وكان في الأحساء وحدها تقريباً ستة وخمسون (كُتّاباً)، وحوالي اثنتا عشرة مدرسة وعظ وإرشاد، (وأربطة) علمية منها رباط الشيخ أبي بكر الملا في حي الكوت بالهفوف، كمـا كان هناك عدد كبير من الكتاتيب ومدارس الوعظ في كل من القطيف والدمام والجبيـل والخبر وغيرها من مدن الشرقية.
@ محمد بن صالح النعيم