يقول كاريل : (إن الانسان هو الكائن المجهول يعلو كل شيء في الدنيا, فاذا انحط وتدهور, فان جمال الحضارة, بل حتى عظمة الدنيا المادية لن تلبث ان تزول وتتلاشى).
وأتساءل : كيف يعلو وهو يحمل في داخله عوامل انحطاطه وآليات تدهوره؟!
لكنني احسب ان علوه الذي قصده كاريل هو علوه البيولوجي التشريحي في أجهزته.. وكذلك كونه مفكرا..
ان علماء النفس يقولون : ان الانسان كائن مفكر.
وعلماء اللغة يقولون : ان الانسان كائن ناطق.
وعلماء الاجتماع يقولون : ان الانسان كائن اجتماعي.
وكائن ضاحك
وعلماء الاحياء يقولون : ان الانسان كائن حي.. وهو يحتل أرقى درجة في سلم الاحياء.
وأما علماء التربية فانهم يقولون : ان الانسان كائن خائف.
يقول مؤلف كتاب (سيكولوجية الخوف) ما معناه:
ان الخوف في داخل الانسان هو الحالة الطبيعية الفطرية والاطمئنان والأمان هي الحالة الوافدة والشاذة.
فالانسان منذ كونه جنينا .. ومنذ ان تنفخ فيه الروح يعيش حالة خوف. حتى ان بعض علماء التربية يقولون : ان الطفل ساعة ميلاده لايرتجف من البرد الذي يشعره بعد خروجه من احشاء امه الدافئة فحسب ولايبكي لذلك. بل يرتجف ويبكي من الخوف ايضا.
بل يزيد هذا العالم قولا مهما في ذلك اذ يقول : لعل الاهتزازات التي تحس بها الأم الحامل قبل ان تلد طفلها كانت في جانب منها بمثابة لغة حركية تعبيرا عما يشيع في جنباته من خوف موروث من أسلافه.
ويقول يوسف ميخائيل أسعد عن الخوف:
ولعلنا لا نخطئ اذا ما قلنا ان البيئة الاجتماعية التي تحيط بالمرء منذ ميلاده كثيرا ما تخبئ المقومات المخيفة في جبلته, او انها تهبه الطمأنينة المؤقتة, او انها تعمل على تخديره وإلهائه عن واقع طبيعته وواقع الحياة من حوله أيضا. فالاصل هو الخوف, والطمأنينة هي الحالة المستحدثة تخفيفا من ضغوط الخوف عليه.
وفلسفة الخوف عند فلاسفة علم النفس ما هي الا أسلوب دفاعي لمجابهة القلق, اذ ان القلق هو التأثر الذهني الاول.
والخوف هو نتاج ثانوي له.
اي ان القلق هو المادة الاولية التي تصنع منها الامراض العصبية.. والخوف احدها.
هذا ملخص ما يقوله بهيج شعبان في سيكولوجية الخوف.
عزيزي القارئ.. قليل من يفرق بين الخوف والجبن.. وكثير من يخلط بينهما بل يعتبرهما مسميين لمعنى واحد. كلا..
فالدكتور فاضل عاقل في اصول علم النفس يقول ان هناك فرقا كبيرا بين الخوف والجبن, فالخوف امر انساني سوي, والذي لا يخاف اطلاقا مخلوق غير موجود في عالمنا الحي, ولو فرضنا ـ جدلا ـ وجوده لما استطاع ان يبقى, ذلك بأن الخوف متصل بحفظ البقاء, والمخلوق ـ انسانا او حيوانا ـ والذي لا يخاف يصعب ان يبقى. اما الجبن فرذيلة قد تكون على صلة بالخوف ولكنها ـ ما في ذلك شك ـ امر مرضي من جهة وعلى صلة بالاخلاق والمفاهيم الاخلاقية من جهة أخرى..
عزيزي القارئ.. الخوف اذا تعدى حده المطلوب اصبح مرضا..
ربما نتعرض لعلاجه في حلقة قادمة.
اما الجبن فانه مرض نفسي وليست له درجات, ورذيلة اجتماعية تعيب صاحبها وتعيب المجتمع الذي ينتمي اليه.
فكن خائفا ولا تكن جبانا.. فالعامة تقول : من خاف سلم. واما الجبان فانه يقتل نفسه عدة مرات قبل ان يموت.