تنظر النيابة العامة في استكهولم اجراءات تقديم رئيس الوزارة الاسرائيلية الى المحكمة أمام محكمة جنايات دولية في السويد التي يسمحها دستورها مثل بلجيكا بمحاكمة مجرمي الحرب في داخل اراضيها مهما اختلفت جنسياتهم او عظمت مكانتهم في داخل دولهم استنادا الى أن قتل الناس بصورة جماعية قضية انسانية عامة لابد من التصدي لها وردع القائمين بها في كل مكان على الأرض.
بدأت هذه الاجراءات من قبل النيابة العامة السويدية بعد أن تقدم بمذكرة رسمية الى الشرطة الشباب المنتمون للحزب الحاكم وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي يتهمون فيها اريل شارون بارتكاب جريمة الحرب ضد الشعب الفلسطيني من خلال ارهاب الدولة الذي يستهدف اما ابادة شعب بأكلمه واما بإجباره على الهجرة الى خارج اراضيه المحتلة الواقعة تحت الاحتلال الاستيطاني اكثر صور الاحتلال تحريما بموجب احكام القانون الدولي العام واستطاع هذا الجناح الشبابي في الحزب الحاكم بالتعاون مع شباب الحزب اليساري، وحزب الخضر الذين يشاركون الحزب الاشتراكي الديمقراطي في السلطة والحكم تحت مظلة الحكومة الائتلافية، تكوين رأي عام في السويد يطالب بإلحاح محاكمة اريل شارون غيابيا على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، ويطالبون بأن يحاكم معه كل من شاركه في التخطيط لهذه الجرائم من السياسيين وكذلك المنفذين لهذه الجرائم من العسكر الذين انصاعوا للأوامر الصادرة لهم من رئيس الوزارة اريل شارون.
صحيح ان الاباحة في محاكمة مجرمي الحرب بموجب احكام الدستور في بلجيكا والسويد لم تطبق من قبل الا في الحالات النادرة جدا ولكن من الصحيح ايضا عدم وجود عقبات تمنع تطبيق احكام الدستور في البلدين مما جعل البرلمان البلجيكي يتخذ القرار بمحاكمة اريل شارتن امام محكمة الجنايات الدولية في بروكسل التي لا تزال تواصل محاكمته غيابيا حتى الآن عن جرائمه في مخيمي صبرا وشاتيلا بلبنان عام 1982م، ورفع الشباب السويدي في الأحزاب السياسية الثلاثة الائتلافية في الحكم الى المطالبة بمحاكمته عن جرائم الحرب المتواصلة الى الآن في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ وصوله الى السلطة في يوم 6 فبراير عام 2001م حتى الآن 13 يوليو 2002م وتدل كل المؤشرات على استمرارها لفترة قد تطول او تقصر من بعد الخطاب الأمريكي الذي ألقاه الرئيس السابق بل كلينتون في يوم الاثنين 24 يونيه عام 2002م الذي يؤيد في كلياته وجزئياته اسرائيل في حربها بحجة الدفاع عن النفس من الفلسطينيين المكافحين في سبيل استقلال بلادهم من الاستعمار الاسرائيلي.
هذا الموقف السويدي المناصر لحقوق الانسان تزداد فعاليته في ظل الخوف الأوروبي العام من حرق جسور المصلحة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية مما يجعل من المطالبة بمحاكمة اريل شارون على جرائم الحرب التي ارتكبها فيها تحد قوي لأمريكا الرافضة لسماع رأي غيرها في الحل السلمي بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وفي نفس الوقت تأتي المحاكمة متزامنة مع الجرائم المرتكبة فوق المسرح الفلسطيني مما يجعل من ادلة الادانة بها متوفرة أمام المحكمة التي ستحاكمه في استكهولم حيث تقدم اسرائيل يوميا دليلا جديدا على ارتكابها جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني لإصرارها على مواصلة ارهاب الدولة لتحقق أهدافها في ابادة شعب بأكمله في سبيل الاستحواذ على الأرض التي تعطيها فرصة نادرة في اقامة اسرائيل الكبرى الحلم الذي يسعى الى تحقيقه اليمين المتطرف الاسرائيلي بدعم وتأييد من اليمين المتطرف الأمريكي بعد أن لاحظنا التناغم بين الارادة الاسرائيلية وبين الكلمات المستخدمة في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش.
يثبت هذا التواطوء الأمريكي الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني تبادل التهاني بين اليمين الاسرائيلي واليمين الأمريكي بعد خطاب امريكا عن الخطة السلمية في الشرق الأوسط التي في حقيقتها ترمي الى اعادة رسم الخريطة السياسية داخل اقليم الشرق الأوسط لإعطاء اسرائيل القيادة فيه لتكون جزءا من انفراد امريكا لقيادة العالم.
واجب الكفاح الوطني الفلسطيني يحتم اليوم اكثر من اي وقت مضى تزويد الحكومة السويدية بالوثائق التي تقدم الأدلة القاطعة على ان رئيس الوزارة الاسرائيلية اريل شارون قام بجرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني لحرمانه من حقه الطبيعي في الاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الارض التي احتلتها اسرائيل في حرب يوم 5 يونيه من عام 1967م خصوصا ان واشنطن ستعمل جاهدة على الغاء محاكمة اريل شارون غيابيا امام القضاة السويديين كما فعلت مع بلجيكا فتعطل صدور الحكم بادانته حتى الآن مما يجعلنا امام تحد يفرض على العرب التحرك الدولي لإثبات تهمة جرائم الحرب على اريل شارون في الماضي من خلال محاكمته في بروكسل وفي الحاضر من خلال محاكمته في استكهولم ليعامل كمجرم حرب.