في كلمة ارشادية يكتب احد التربويين (لو قلت لابنك: "احسنت" لبحث عن الاحسن) وما احوجنا كآباء الى هذا الاسلوب في التعامل مع ابنائنا وبناتنا الذين نقول عنهم انهم فلذات الاكباد التي تمشي على الارض، ونتأثر بما يهمهم ويسبب لهم العثرات. نريد لهم العافية والاستواء والاستقامة في طريق الحياة. دربهم مضيء وسالك، وانوار المرافىء الآمنة تقود خطاهم وتحفظهم من زلل الظلمات والانحرافات المفاجئة تقطع مسارهم، وتضيع جهد الطريق عليهم.
ولان التربية لا تبدأ في وقت متأخر حين تتشكل القناعات والاعتقادات، فيغدو من الصعب التغيير والتحويل، ذلك انه لن يلين (اذا قومته الخشب) فالعمل يكون منذ نعومة الاظفار حيث الغصون تستجيب وتتلاءم وتنمو بطريقة صحيحة نحو الاعتدال والذهاب الى شمس لا يخشى منها، مهما تكن ساطعة وحامية، فالاصول راسخة في (تربة دسمة) لها ثقل ومتانة وتمكن، لا يحفل باقوى الهبات ولا بأصعبها.
وما اجملنا كآباء، وما احرى ان تنطلق الستنا في تعاملنا مع اولادنا بالكلمات المشجعة الطيبة التي تبتعد عن الكلمات القاسية النارية تملأهم بالخيبة والاستخذاء والاحباط، تنزل على الرؤوس الصغيرة كأنها المطارق.. ونبرر هكذا ربانا الاجداد وعلى خطاهم نسير واننا لمهتدون في تربية اولادنا.
الكلمة المشجعة الطيبة لها فعل السحر واثر الترياق الشافي العجيب.. ان كلمة الثناء والنظرة الحانية والعيون الفائضة بالحنان والمودة وهزة الرأس المستحسنة والتربيتة على الكتف والاحتضان هي من الجواهر والكنوز بين ايدينا، فقط نسمح لاولادنا ان يلتقطوها ويكونوا بالقرب منها. فهم الاجدر والاكثر استحقاقا لها. ما فائدة بسط الوجه والابتسام مع الآخرين خارج المنزل وفي الوظيفة. وفي المنزل يفيض الوجه بالكآبة والغضب وتجعدات عدم الرضا. هذا ان لم يكن السوط بالجوار كطريقة سريعة لنشر الهيبة واملاء السلطة الابوية، ليسود الصمت المطبق افساحا لابرة الاب ان ترن بمزاجها كما تريد، لا يعكر صفوها معكر، ولايعترض مجرى هواءها معترض من عبث الاولاد ونزقهم.
نحتاج كثيرا ان نمرن افواهنا على كلمات وعبارات ايجابية.. يلزمنا ان نقابل افعال اولادنا الحسنة بالتقدير، حتى لا يستوي المحسن والمسيء, هل من الصعوبة بمكان حال يصدر الفعل الجميل من الطفل الصغير ان نقول له: احسنت بارك الله فيك، ما شاء الله، شكرا على هذا الفعل وعلى هذا الاداء.. هذا الثناء العاطر الذي يبخل به بعض الاباء ويضنون به على اعتبار ان المديح قد يفسدهم او ان ما صنعوه لا يستحق الاشادة ولا لفت الانتباه.. هذا الثناء، لو نعلم، هو مفتاح الدافعية، والمحرك الاساسي لان يترسخ السلوك الجيد ويقوى. ويعطي الطفل معلومة وصورة يستمر عليها ويضاعف من افعاله نحو الاحسن، وينعكس على مشاعره بما يمنحه القبول والتأكيد انه في الطريق الصحيح، وبما يجعل اشرعة ثقته تتفتح وتبحر في امان.
كلمات قليلة، سهلة. لكن كثيرا منا لا يفطن. ولا يقدر اهميتها ولا اثرها. فلاعجب ان ننشأ وعافية الرضا تغيب عن سمائنا.