عزيزي القارئ.. في زاويتي السابقة تحدثت بشكل مختصر ومبسط عن المسحراتي في بعض الدول الاسلامية وعن شيء من تاريخه ووعدت بالحديث عن (المسحر) في الخليج العربي..
المسحر في دول الخليج العربي يدعى:
المسحر وابو طبيلة وسمي او نسب الى الطبلة لانه يستخدم الطبلة في ايقاظ النائمين قبل الفجر.. اي وقت السحر فيجوب احياء البلدة وشوارعها بطبلته مناديا وداعبا وذاكرا لله تعالى مرددا كلمة التوحيد (لا اله الا الله).
وقد يكون في البلدة اكثر من (مسحر) لذلك تراهم يقتسمون البلدة او القرية او المدينة أحياء احياء.. ويكون كل مسحر ملتزما بحيه والتسحير عادة قديمة كما ذكرنا آنفا.. بدأت من حوالي القرن الثالث الهجري..
الا انها في هذا العصر الذي نسي كثير منا فيه النوم في ليل رمضان وسرق الوقت جهاز التلفزيون والزيارات والدايريات المنتظمة اقول في هذا العصر انكمشت هذه العادة عادة التسحير حتى كادت ان تنقرض الا من بعض القرى المتمسكة جدا بالتاريخ والتراث والعادات والتقاليد وهي قليلة من هنا استطيع ان اقول ان وظيفة التسحير هي وظيفة وراثية ياخذها الابن عن الاب والاب عن الجد وهكذا..
وقد كانت في الماضي منتشرة جدا في المدن والقرى.. فلا تجد قرية تخلو من مسحر ولقد قلت ان التسحير هي وظيفة لكنها مؤقتة وموسمية.. وهي لا راتب لها.. انما يستفيد المسحر من هبات اهل الحي والتي تمنح له على دفعتين احداهما في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك وهي الدفعة الاولى.. فما ان يصلي الظهر في ذلك اليوم حتى يخرج المسحر بحماره الذي علق عليه خرجه (والخرج وعاد من شعر او جلد ذو عدلين يوضع على ظهر الدابة لوضع الامتعة فيه)..
اقول يخرج بحماره ويجوب الاحياء التي كان يجوبها في الليل.. وهو ينقر على طبلة ولا يقول شيئا فقط صوت الطبل اعلان بمروره في الحي او الشارع وتتقاطر عليه العطايا من الطعام النيء او النقود واذا امتلأ خرجه عاد الى بيته وافرغه ثم عاد مكملا مسيرته لذلك بعضهم رأى المسحرين بعضهم استخدم بدلا من الحمار ذي الخرج استخدم (القاري).
والقاري عربة يجرها حمار او بغل.. ولكنها في الخليج يجرها حمار.. والعربة تأخذ اكثر من الخرج. والدفعة الثانية من هذه العطايا يوم العيد.. وفي الموعد نفسه.. وربما بدا قبل الظهر اي في الضحى. عزيزي الصائم الكريم والتسحير يكون على وتيرة واحدة في الالفاظ والادعية والاذكار حتى يجئ اليوم السابع والعشرون فيبدأ المسحراتي او المسحر في التوديع نعم يودع الشهر الكريم بعبارات مختلفة عما سبق وهذه شائعة تقريبا في جميع دول الخليج.. اقصد هذه العبارات التي يقول فيها المسحر.
(لا اله الا الله, ودعناك الله, ياشهر رمضان, يابو العطايا, يابو السخايا, يابو المساكين, يابو اليتامى, يابو التراويح, يابو الصلوات, ياشهر مبارك, لا اله الا الله).
والمسحر عزيزي المستمع كانت له مكانة مهمة في الماضي قبل ثلاثين او اربعين سنة حينما لم يعرف الناس في الخليج الكهرباء والسهر والتلفزيون والساعات ذات الاجراس المنبهة حينما كانوا ينامون بعد صلاة التراويح بساعة او ساعتين على الاكثر.
ومن حسن تعامل الناس قديما مع المسحر ومن نقاء نفوسهم كانوا يقدرون المسحر اذ انه لا يصل الى بيته غالبا الا وقد اوشك الفجر وان يطلع لذلك اثناء تطوافه على البيوت يتناول وجبة السحور في بعض البيوت التي يمر بها كل ليلة في بيت من بيوت القادرين من اهل الخير.
رحم الله ايام المسحر فقد كان المسحر ومهنته الخيرة وايامه تراثا شعبيا.