لقد اصبح الاعلام في عصر العولمة هما عالميا استطاع الغرب استغلاله وتوظيفه لخدمة مصالحه ورؤاه ومد اروقته واستراتيجيته الى آفاق بعيدة من الكرة الارضية ورغم هذه القيمة المتنامية للاعلام فان المسلمين لم يحاولوا الاستفادة من هذا الضوء الذي يستطيع الوصول الى الاعماق لان المسلمين على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم العلمية ووعيهم السياسي يجيدون القاء اللوم على الآخرين واحجامهم عن محاسبة انفسهم ودون ان يتخذوا أي خطوة للعمل افرادا ومجموعات تستطيع ان تقدم شيئا من الاحتياجات الضرورية للأمة مع الاخذ بمبدأ تقويم الذات.. وهذا ما حاول ان يبسطه ويعالجه معالجة موضوعية الدكتور سعيد اسماعيل الصيني في كتابه (الإعلام الإسلامي النظري في الميزان) الذي تولت اصداره مكتبة الملك فهد الوطنية والذي قدم له بمقدمة ضافية اجاب فيها عن التساؤلات التي تدور بذهن القارئ العربي مع انه لا يهدف إلى تقويم كل عمل على حدة. إلا أنه يهدف الى التعرف على السمة العامة لاسهام المسلمين في ميدان الاعلام. وانما يهدف الى الاجابة عن السؤال: ما نوعية الكتابات التي انتجتها السنوات الخمس والعشرون الماضية في مجال الاعلام الاسلامي في المستوى النظري؟ ولقد بسط المؤلف معالجته لهذا الموضوع بشكل واف معتمدا على قول الله سبحانه وتعالى في سورة التوبة (المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله.. اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم) الآية 71. وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة قلنا لمن يارسول الله قال صلى الله عليه وسلم: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ولا شك ان الموضوع الذي تناوله المؤلف واسع ومتشعب ويحتاج الى صبر واناة وبعد نظر وحسن استقراء للوصول الى لب المعرفة المحيطة بالموضوع وملابساته ومعرفة ما قدمه المؤلفون المسلمون من مؤلفات وكتابات تعالج موضوع الاعلام الاسلامي على مدى ربع قرن. وقد بدأ المؤلف الباب الاول باستعراض ومناقشة الاستعمالات التي وردت في الاسهامات الاعلامية الاسلامية حول بعض المصطلحات التي يكثر استعمالها في الكتابات الاتصالية عموما وفي مجال الاتصال الجماهيري اي الاعلام بصفة خاصة. وبعد ان استعرض المؤلف العشرات من الابحاث التي تصب في نهر الاعلام الاسلامي خلص الى اننا كمسلمين يجب ان نتقيد بقواعد وأسس عادلة لان الاصل كما يقول ان نكون واقعيين ونبين الاوجه التي نميز احدهما عن الآخر وأن لا تكون عملية الاسلمة لدينا متكلفة كالاتيان بتعريفات بديلة لمجرد المخالفة بينما التعريفات القائمة اصدق تصويرا للواقع واكثر شمولا. وان لا يقتصر التأصيل الاسلامي للاعلام على استبدال مفردات ومصطلحات اعلامية بغيرها وحشو مؤلفات الدعوة بمثل هذه المصطلحات الاعلامية بسبب مقبول وغير مقبول. وقد ساق المؤلف هذه الاسس التي يجب ان يقوم عليها الاعلام الاسلامي بناء على ما لاحظه او لاحظه باحثون غيره ما يعيشه الاعلام الاسلامي من وهن وتخلف نتيجة لاصرارنا على رفض ما ليس باسلامي في نظر بعض المسهمين بالكتابة في هذا المجال دون منطق او حجة كما ان هناك نوع من التفكك وانعدام الترابط بين الآراء الموزعة في مواضيع مختلفة من الكتاب الواحد وحول المفهوم الواحد فان هذا وان لم يصل الى درجة التناقض فانه يجعل القارئ يقف حائرا في معرفة موقف الكاتب او رأيه الحقيقي في بعض الامور. وهذا ولاشك نتيجة لمحاولة اثبات قصب السبق للاسلام في الاعلام بأية طريقة ومنها عملية الاستبدال المصطنعة لكلمة الدعوة بالاعلام وحتى يبلغ الاعلام الاسلامي الغاية المرجوة منه يجب ان يقوم على اسس قوية اهمها: صدق المحتوى او المضمون لان صدقه من صدق الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم وشرف الغاية حيث ان مقصد الاعلام الاسلامي يهدف الى غايات نبيلةلان واجب الاعلام ان يفتح اعينه بل كل حواسه - على الظواهر الاجتماعية ويسجلها ليتمكن من تحليل الاحداث واستخراج العبر منها. وبعد ان يستعرض الكثير من الدراسات ويقوم بالمقارنة والتحليل ويعمق الدراسة في محتويات كل تلك الدراسات الاسلامية. خرج بالنتائج التالية: لقد غاب عن اذهان الكثير ممن اسهموا بالكتابة في الاعلام الاسلامي ان الدراسات الاساسية انما تنطلق من وصف الحقائق الجزئية اي الممارسات الاعلامية وظواهرها في الواقع المعيش واستخدام المنهج الاستقرائي في محاولة للوصول الى تفسيرات لما يجري في الواقع او لاكتشاف السنن الكونية التي تتحكم فيها لتسهم هذه الاكتشافات في تطوير العمليات الاتصالية واتقانها عموما والاعلامية بصفة خاصة لكي يمكن تسخيرها لخدمة الاهداف المختلفة سواء كانت خيرة ام شريرة. وهكذا ربط الباحث بين الاعلام والاتصال. لان الاعلام يعتمد اعتمادا كليا على الاتصال. وهذا هو المبدأ الذي قامت عليه الدعوة الاسلامية فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصعد الى الصفا وينادي في الناس بكلمة التوحيد كما رأيناه صلى الله عليه وسلم يذهب الى الطائف للدعوة الى الاسلام ورغم ان دعوته في الطائف لقيت من زعماء ثقيف وسفهائهم الاستنكار ورغم الاهانة التي الحقوها برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظلت دعوته تتردد في الصدور وترن اصداؤها في العقول. فكانت البذرة التي ادخلت ثقيفا في الاسلام. كما رأيناه صلى الله عليه وسلم يبعث الدعاة الى مواطن القبائل ومضارب البادية لشرح مبادئ الاسلام لمن يتوسمون فيهم شيئا من مظاهر الاستجابة لدعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فكان الاتصال بالآخر هو اهم اسلحة الدعوة الى الاسلام واظهار مبادئة وابراز الجوانب التي تستهدف اصلاح البشرية وهدايتها الى الحق والنور الالهي الذي ينير جوانب النفس البشرية ويسلك بها الصراط المستقيم. ولقد احسن الدكتور اسماعيل الصيني عندما الحق بكتابه ثبتا استغرق 178 صفحة من الكتاب ضمنه بيكوجرافيا تفصيلية لكل الكتاب الذي بحث في الاعلام الاسلامي وما احتواه من فصول وابواب وعناوين وكذلك ببلوجرافيات لما نشر في الصحف والمجلات العربية الاسلامية من ابحاث ومقالات ذات علاقة بهذا الموضوع.. انه بذلك يقدم للباحثين ولطلاب الدراسات العليا. دليلا شاملا يدلهم على ما يبحثون عنه في مسيرتهم العملية.
ان هذا العمل الجاد الذي قدمه الدكتور سعيد يأخذ بيد القارئ الى فكان البحث الجاد ويسلك به سبيل المعرفة للجزئية المطلوبة في سهولة ويسر. ومن ذلك يتضح ان المؤلف ليس ممن يتصدون لإظهار العيوب ومواطن الخلل في مسيرتنا الاعلامية الاسلامية فقط وانما هو ذلك الطبيب الذي يشخص الداء ويصف الدواء لمعالجة مواطن القصور التي بدت جلية واضحة رغم التعتيم والمكابرة والترفع عن الآخر.