عزيزي رئيس التحرير ..
كل فئات المجتمع بحاجة إلى الرعاية الصحية. وكلنا مهما ارتقت ثقافتنا الصحية وعلت في مستواها بيئاتنا المحلية فلسنا بمعزل عن زيارة المستشفيات والمراكز الصحية، أهلية كانت أم حكومية ومن هذا المنطلق يبرز سؤال كثير ما يتردد في دواوين متخذي القرار كما أن لمجالسنا العامة نصيبا كبيرا من الخوض فيه ألا وهو .. لماذا يكثر المراجعون على مستشفى أو مركز صحي أو مستوصف معين على حساب المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات الأخرى؟ بل إن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك .. فيتمخض السؤال الآنف عن سؤال أدق منه .. لماذا يكثر المراجعون على طبيب معين في المستشفى أو المركز الصحي أو المستوصف نفسه وزميله في التخصص نفسه وعيادته لصيقة بعيادة صاحبه ولكنه يشكو الملل ولا يأتيه من المراجعين إلا من يجبر على زيارته أو من لا يستطيع الانتظار الطويل للدخول على الطبيب الأول؟؟
إنني هنا لن اعرض رأيا مجرداً أو اجتهاداً شخصيا بل سأورد طرفا من مراجعات لبعض أدبيات إدارة جودة الرعاية الصحية وذلك بهدف استقطاب اهتمام متخذي القرار في المجال الصحي إلى امر بالغ الأهمية وذلك لفك رموز الأسئلة المدرجة أعلاه والعمل على الخروج من متاهاتها لما في ذلك من ترشيد لما يبذل من أموال طائلة قد لا تصب في صميم المصلحة وبذلك يكون الهدر فيها كبيرا، ولتوجيه الجهد المسخر لمتابعة إنتاجية مؤسسات تقديم الرعاية الصحية إلى أفضل وجهة ممكنة، وللإحاطة بعامل الوقت الذي هو العامل الحرج في تقديم الرعاية الصحية إذ قد يكون هو الفارق بين الحياة والموت.
ثلاثة محاور رئيسية هي
1ـ علاقة الإدارة بالعاملين الصحيين:
من المفهوم الدقيق لهذا المحور نبدأ الخطوة الأولى في مسيرة بناء الجودة الصحية ومنها يمكن القطع بإمكانية نجاح أو فشل البرنامج ومدى إمكانية تقديم الرعاية الصحية المطلوبة، ذلك أن المفهوم الذي تتبناه إدارة المستشفى هو الوقود الذي يسير البرنامج على مستوى الإدارات والأقسام والوحدات المختلفة في المستشفى فولاء الإدارة العليا والوسطى في المستشفى لإدارة الجودة بصورة كاملة ولجودة العلاقات بصورة خاصة هو المشكاة التي ينفذ منها إلى عالم رحب من العلاقات الحميمة التي تمثل الارض الصلبة لبناء الثقة بين مقدمي الرعاية الصحية وبين الإدارة هدفها ومبتغاها تقديم أفضل رعاية صحية ممكنة.
ولا يمكن للإدارة أن تفي بدورها هذا إلا إذا تخلصت من بعض الأمراض التي تنخر في مبدأ تحسين الجودة والمتمثلة فيما يلي:
ـ كون الادارة تكافئ على النتائج دون النظر إلى كيفية تحقيقها وهذا المرض يجعل النتائج الجيدة الباهرة متقوقعة على مستوى أفراد أو أقسام الأمر الذي يركز النجاح فيهم ويحجبه عمن سواهم من العاملين.
ـ المبالغة في تحديد الأولويات والإكثار منها الأمر الذي يرهق الإدارة والعاملين ويجعل نتاج أعمالهم ضعيفا مهما بذل في سبيل تحقيقه من جهد وسخر له من موارد إذ لابد من اعتبار عامل الزمن وتحديد الأهم والبدء في تنفيذه وانجازه قبل الشروع في تنفيذ المهم.
ـ تبادل إلقاء اللوم عند تدني مستوى الجودة بين كل من العاملين والإدارة وذلك في ظل عدم وضوح الرؤية لدور كل منهم.
ـ ضعف توثيق تطور الاداء مما يؤثر على توجيه دفة العمل نحو التحسين حيث تغيب مؤشرات توجه الإدارة حسنا أو سوءا وفي أفضل الأحوال فإن دقة المتابعة لا تتعدى الجوانب المالية بينما تغفل محاور الأداء المتعلقة بمتلقي الخدمة والتي هي اساس وجود العامل الصحي.
ـ عدم الفهم الدقيق لمفهوم تحويل مقدرات المرفق الصحي إلى نتائج ملموسة لمصلحة متلقي الخدمة الصحية وما يلزم لها من إعداد الخطط وتنفيذها.
والإدارة الواعية التي توفق لعلاج هذه الأمراض فإنها بلاشك توفر بيئة منتجة للعاملين الصحيين مبنية على الثقة ووحدة الرؤية والرسالة والهدف وتتمثل في الجوانب التالية:
ـ إقلال التفاوت في النتائج وذلك بالمراجعة الدائمة لسياسات وإجراءات تنفيذ العمل. وذلك لصبغ المرفق الصحي بصبغة شاملة تعين على الرقي بالجودة في كل جوانب الخدمة وليس في قسم أو جانب من جوانب الخدمة فقط.
ـ الحد من الأخطاء وإعادة الأعمال حتى لا يفقد متلقي الرعاية الصحية ثقته في المرفق الصحي وذلك بتعهد جميع العاملين بالتدريب الدائم على جميع المهارات اللازمة لأداء
اعمالهم ومتابعة تنفيذهم لتحويل مفاهيم التدريب التي تلقوها إلى واقع عملي يلمسه المراجعون على أرض الواقع.
ـ السيطرة على الوقت وتلمس جوانب هدره خصوصا فيما له علاقة بمتلقي الخدمة بصورة مباشرة عند انتظاره لتلقي خدمة معينة أو بصورة غير مباشرة في حالة الحاجة إلى تحويلة لتلقي خدمة أخرى في المستشفى.
ـ زيادة مشاركة العامل الصحي في الرقي بمستوى أدائه وذلك من خلال تدريبه على مبادىء حل المشكلات واتخاذ القرارات لما من شأنه تحسين إنتاجيته وتطوير خدمته لمراجعيه وإعطائه الثقة والصلاحية لتنفيذ ذلك.
2ـ العلاقات المتبادلة فيما بين الفريق الصحي
وعلى مستوى مقدمي الرعاية الصحية فإن حل جزئية من هذه الخدمات يقدمها مجموعة من العاملين الصحيين يتحدون أو يختلفون في تخصصاتهم ومستوياتهم وأعمارهم وأجناسهم وجنسياتهم وثقافتهم وهذا هو الشاهد من إدارج هذا المحور ولإيجاد بيئة منتجة متميزة بعلاقات متبادلة جيدة الإحاطة بما يلي:
ـ إيجاد قيادات لتنفيذ مبادىء الجودة في كل إدارة وقسم وتخصص بل وداخل العيادات والمعامل وتدريبهم على مفاهيم الجودة ليكونوا قدوة لغيرهم.
ـ أن يجعل العامل الصحي مبدأ الجودة جزءا أساسا في كل عمل يقوم به وأن يكون عمله متكاملا مع اعمال الآخرين وليس مبتوراً معزولا عنهم.
ـ أن يجيد العامل الصحي مهارات الاتصال والتعاون والتنسيق مع أفراد الفريق الصحي مهما كانت تخصصاتهم ومستوياتهم.
ـ حرص العامل الصحي على التطوير الذاتي والتزود بمهارات تحسين الجودة والقيادة وتحليل المشكلات واتخاذ القرارات حتى تكون جزءا من شخصيته.
ـ المصداقية في القول والعمل لكسب ثقة الآخرين مما يسهل الاجتماع على وحدة الهدف بين العاملين.
3ـ علاقات الفريق الصحي بمتلقى الرعاية الصحية
من حق متلقي الرعاية الصحية أن يعامل داخل المرفق الصحي بمهارة من قبل العامل الصحي وبحساسية لحالته طبيا ونفسيا وسلوكيا واجتماعيا ولقد اثبتت الدراسات أن تفاوت رضا متلقي الرعاية الصحية سببه يرجع بالدرجة الأولى إلى علاقته بالعامل الصحي أكثر مما يتعلق بالمتغيرات "الديموغرافية" للمريض أو الإمكانيات ومكان المرفق الصحي. وإن شكاوى متلقي الرعاية الصحية من مستوى الخدمة الصحية تكاد تساوي شكاواهم من ضعف الاتصال والعلاقات مع مقدمي الرعاية الصحية.
ومما يزيد الأمر حدة أن محور العلاقات واضح بين على خلاف محور الخدمة الصحية التي يكتنفها غموض شديد.
هذا المحور هو في الحقيقة جانب إنساني يكاد يكون جزءا لا يتجزأ من شخصية العامل الصحي الذي اختار أن يكون في خدمة البشرية لذا فإن الاحاطة بتفاصيله تعجز عن الحصر ولكن ممكن أن نلخص ما انتهت إليه بعض الدراسات فيما يلي:
ـ التعاطف مع حالة متلقي الرعاية الصحية وإعطاؤها ما تستحق من العناية والرعاية.
ـ حسن الإنصات والاستماع لشكواه كاملة قبل البدء في اتخاذ أي اجراء.
ـ مبادرته بالاهتمام والسؤال والنظر إليه عند الحديث معه وعدم الانشغال عنه.
ـ الاستجابة لرغباته إن كانت تخدم حالته وتنفيذها له أو إيضاح مضاعفاتها له ونصحه بالبدائل المناسبة له.
ـ كسب ثقته فيما سيتم إخضاعه له من إجراءات مهما كانت بسيطة.
ـ احترام وقته وبيان الوقت التقريبي الذي ستستغرقه كل مرحلة من مراحل العناية به وأخذ موافقته عليها مع الحرص على عدم إضاعة وقته فيما ليس له علاقة مباشرة بحالته.
ختاما لقد حرصت على طرح هذا الموضوع الحيوي وذلك امتثالا لتبليغ أمانه العلم ورغبة في إطلاع متخذي القرار في الخدمات الصحية على محور أساس من محاور جودة الرعاية الصحية خصوصا المتابعة الدائمة من قبل معالي وزير الصحة المشرف العام على مجلس ضمان الجودة الأستاذ الدكتور اسامة بن عبدالمجيد شبكشي وفي ظل المتابعة الدؤوب لمدير عام ضمان الجودة الدكتور عبدالعزيز نياز.
@@ محمد بن علي الغامدي عميد كلية العلوم الصحية بالدمام