كنت فيما مضى أتابع اللقاءات التي تجريها القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف والمجلات مع الشعراء الشعبيين , ولكن بعد خيبات أمل متتابعة أصبحت أهرب منها ليقيني أنها لن تأتي بجديد , فكل اللقاءات السائدة عبارة عن سلق يتم على عتبات الاستوديوهات أو عند إشارة المرور مع الصحفي الذي يجري اللقاء لمصلحة مجلة أو جريدة فيخرج اللقاء المرئي أو المسموع أو المقروء مترددا بين ( سمعنا قصيدة ) و ( فلان قال عنك , و علان روى عنك ) وعلى المتلقي المبتدئ
أن يتثاءب طيلة اللقاء ثم يتوضأ ويذهب لسريره و يقرأ ورده حتى لا تزوره الأحلام المزعجة ..!!
قراءة تجربة الضيف قراءة متعمقة هي الأرضية التي يمكن أن ينطلق منها حوار خلاق قادر على النفاذ لأعماق الضيف وقادر على أسر المشاهد طيلة اللقاء ولكن اللقاءات في الساحة الشعبية ( إلا ما ندر ) تأتي غالبا ً هشة وسطحية وتترنح بين تمجيد الذات وقراءة لقصائد عرجاء ومهاترات تمرر على أنها إثارة وهي لا تعدو كونها عدوانا ً صارخا على الأدب والمنطق والوعي ..
إن قراءة سيرة و تجربة أي شاعر شعبي لا تحتاج على الأكثر لأسبوع ورسم محاور اللقاء قد تتطلب يوما أو يومين وتحضير فريق العمل قد يحتاج ليومين آخرين , لذلك لا أعتقد أن عشرة أيام مهر مكلف لنيل لقاء يليق بالشعر وأهله ويليق بالجهة التي تقدم اللقاء إذا افترضنا أن للضيف تجربة يمكن الإبحار في لجتها وأن الجهة المستضيفة تعمل بمهنية احترافية ولديها فريق عمل يعرف ما هو مطلوب منه ويملك من القدرات والإمكانات ما يجعله قادرا على إدراك النجاح المنشود إن كان هناك نجاح منشود ..
كم أتمنى لو أن قناة دبي الفضائية تعيد اللقاء الذي أجرته الأديبة ( بروين حبيب ) مع الشاعر العراقي العملاق عباس جيجان , ففي هذا اللقاء دروس في كيفية الإعداد للقاء ودروس في كيفية إدارة الحوار ودروس في عرض التجربة الشعرية والفكرية والثقافية للشاعر , لقد أثبت هذا اللقاء أن العلة ليست في الشعر الشعبي , بل في الشاعر الشعبي وفي المشتغلين بشأن الشعر ..
لقد شعرت باستعادة الثقة بالشعر الشعبي بعد مشاهدتي لهذا اللقاء وشدتني بروين حبيب وهي تشاكس بأدب ٍ جم وتفتش في الخفايا وتتهم و تشيد بلغة الراغبة بالبحث عن الجمال , وشدني الشاعر عباس جيجان وهو يرفع الشعر الشعبي من غياهب الجب ولو كان لي من الأمر شيء لجمعت كل الشعراء الشعبيين ومعدي اللقاءات في القنوات الفضائية ومقدمي البرامج الشعبية والمشتغلين في الصحافة الشعبية في صالة مغلقة وطلبت منهم مشاهدة اللقاء بواقع ثلاث مرات في اليوم ولمدة شهر واحد وبعد ذلك أطلقهم ليتحاوروا كيفما شاءوا ..
شكراً للأديبة بروين حبيب .. شكرا للزميل عباس جيجان .. وإلى أقرب لقاء مع شاعر شعبي يسلق على عتبة الوقت الضائع ليمحو كل جمال ٍ رسمه لقاء بروين بعباس في نفوسنا , ولعل أجمل ما في اللقاء أننا لم نسمع ( صح الله لسانك ) .
[email protected]