يوم الاثنين الماضي بدأت محكمة جرائم الحرب الدولية أعمالها في مدينة لاهاي، لتكون بذلك إلى جانب المحكمة الخاصة بالتحقيق مع مجرمي الحرب الخاصة بيوغسلافيا تشهد أروقتها محاكمة الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش. طبعا الخطوة إيجابية بكل ما تعنيه الكلمة، إذ الهدف ملاحقة مجرمي الحرب ومنتهكي الأعراف الدولية حول العالم بلا استثناء، مما يعني أن الرافضين لحلول السلام في العالم وممارسي الأساليب الإجرامية باتوا مهددين بالمثول أمام هذه المحكمة، لمحاكمتهم تمهيدا لإنزال العقوبات المستحقة بحقهم. وذلك يقودنا على الفور إلى الإشارة لوجوب مثول العديد من جنرالات الحرب الإسرائيليين وعلى رأسهم السفاح أرييل شارون أمام هذه المحكمة، وهي حقيقة يجمع عليها غالبية الأطراف العربية وكثيرا أيضا من الأطراف الدولية المتعقلة، أن شارون يمتلك تاريخيا إرهابيا قد يفوق كثيرا ما ارتكبه اليوغسلافي ميلوسيفيتش. والمطالبة بمحاكمة شارون في هذه المحكمة ستزداد، خاصة بعد الإحباط الكبير الذي أصاب عائلات ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا بعد رفض القضاء البلجيكي تثبيت التهم الموجهة إلى شارون من قبل بعض الناجين من المجزرة الأسبوع الماضي. بيد أن التشاؤم ساد الكثيرين في يوم افتتاح أعمال المحكمة الجديدة، إذ أن أطرافا عديدة رفضت المشاركة فيها كروسيا والصين، لكن التركيز كان على الجانبين الإسرائيلي والأميركي اللذين تعذرا بالتخوف من إمكانية تسييس المحكمة بما يخدم توجهات ورغبات بعض الجهات الراغبة في ملاحقة المسئولين الإسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب. ولا غريب أن يأتي الموقف الأميركي مساندا لنظيره الإسرائيلي، وهذا الذي يدفع بجزم الفرضية المشيرة لوجود أياد أميركية خفية وراء إخفاق القضاء البلجيكي في تثبيت التهم على شارون الأسبوع الماضي. فواشنطن منطقيا ليس لديها دوافع للتوجس، فجنرالاتها لا يواجهون تهم إبادة جماعية أو جرائم حرب، بالتالي مما يجعل مشاركتها في المحكمة أمرا مطلوبا لتدعيم موقفها كدولة راعية للسلام. لكن الحقيقة المرة التي تفرض نفسها، أن الولايات المتحدة لا يمكنها التخلي ولو لمرة عن واجب الدفاع عن ربيبتها إسرائيل، ولو جاء ذلك على حسابها. فالرفض الثنائي للمشاركة في هذه المحكمة لن يضر إسرائيل بشيء، فهي وجنرالاتها لا يخرجون عن كونهم إرهابيين ومجرمي حرب معتمدين، لكن الضرر سيكون من نصيب الجانب الأميركي، الذي يرفض أن يثبت للمجتمع الدولي أن إدارته تستحق بالفعل مسمى راعية السلام الأولى في العالم, لا العكس.
الوطن الاماراتية