احتسى المؤرخ القهوة الساخنة المجهز بها أتوماتيكيا مكتبه متابعا التسجيل: .. وكان هناك دور مواز لجهات تعليمية وأكاديمية وخدمية ضمن تنسيق اللجنة الدائمة للعراق حتى غطى تأثيرهم كثيرا على المساعدات التي دبرتها القوات المحتلة .. وفي مسألة هوية العراق دخلت اللجنة بحوارات طويلة ومتتابعة ومضنية ولكن عقلانية مع الطرف المحتل تقعنه بالخروج من العراق في الوقت الملائم قبل أن تفوح روائح الدم في الشوارع. وكان يجب ان يناقشوا معهم مسألة التعويضات المالية والنفعية النفطية (وأن كان هذا ظلما وجورا , ولكنها كانت مسألة واقعية لا يمكن تجنبها لظروف تلك المرحلة) ولقد استمرت هذه المفاوضات العنيفة مدة طويلة إلا أن أثرها بدأ يتضح كما تنفلت أول خيوط الفجر من قلب العتمة..
وعملت تلك اللجنة من داخل العراق لربط الشأن الداخلي فكان من صالح الأكراد بعد تجربة قصيرة ومعاناة من دول مجاورة تريد ان تتحكم فيها لأمورها الأمنية ان تعود كما كانت عضوا لا ينفصم من الجسد العراقي . وعرف الشيعة والسنة واصحاب الأديان الأخرى أن أية خطوة نحو الأنانية الطائفية كانت تنقل معها نذر الجحيم . ولقد وعوا ذلك بالتجربة النازفة بالدم المر والدمع الحارق. ولقد نفعت وجود القوات والحاحها على حكم ديمقراطي ( في الحقيقة المجردة) الى إيجاد الآلية التي اعتمدت الصندوق الانتخابي المنظم , وكان هذا نفعا للعراق ومخرجا لصيانة وجه القوة المحتلة بأنها ساهمت في صنع جو الحرية. سنوات وعادت العراق أكثر ديمقراطية وتقدما , وأعطيت لفترة الشركات الأمريكية والمحلية بالمنطقة (طبقا لاتفاق مكتوب) الأولوية في إعادة أصلاح العراق , وعاد مزدهرا ناميا غنيا حرا .. وفعلت الأسواق .. وحصل شيء آخر.. فمع ارتفاع الثقة بين الشعوب في المنطقة ومع دخول الصناعة والخدمات وفي شيوع العملة النقدية للدول المحيطة انتهى استخدام عملة القوات المحتلة وكان الجو مهيأ طبيعيا ليدخل العراق في اتحاد سوقي خليجي نما يوما بعد يوم .. وها هي المنطقة تحصد خيرا وتقدما .. يأتي رجل ويقاطع المؤرخ ليسأله عن قيمة جهازه الجيبي المحمول ويرد المؤرخ بدون أن يرفع عينه : مائة دنيار خليجي!
