أخبار متعلقة
نفى الفنان العربي العالمي عمر حمدي ( malva ) العلاقة بين الفن والتفسيرات الموجودة في الكتب عن الألوان,هذه التفسيرات التي ترى أن السواد اللوني ليس أكثر من حالة حزن , أو أن البياض مجرد تعبير عن الفرح, مؤكداً أن الأعمال الفنية الأكثر انتشاراً في العالم هي الأعمال الأكثر بساطة, وأن التجريد الذي يشغلنا الآن في الوطن العربي قد انتهى وحلت محله اتجاهات أخرى, كما أن الفنان يمكنه أن يوظف كل المكونات الحياتية للتعبير عن موقفه, وتقديم أعمال فنية تطرح تساؤلات حول الكثير من القضايا. وفي الأمسية التشكيلية التي أقيمت على هامش معرضه المقام حالياً في غاليري (حوار) بمركز المملكة في الرياض, بمشاركة الفنان العربي الألماني ( bahram (بهرام حاجو, والتي أدارها الدكتور أحمد عبد الكريم, قال( malva ): إن العمل الفني أبداً ليس له علاقة بالتفسيرات اللونية الموجودة في الكتب من أن الأسود هو لون «حزين» والأبيض هو لون «مفرح» وما إلى ذلك من تفسيرات, وإنما له علاقة بفلسفة اللون وبالمفهوم الإبداعي داخل العمل الفني نفسه, فالمعروف في كل مجتمعات العالم أن الأصفر مع الأسود يصنع حالة من التسمم الحسي, ومثال ذلك أن هناك اعتقادا بأن الأفعى السوداء - مثلاً - عندما تكون مرقطة باللون الأصفر تعطي إيحاءً لبعض الحيوانات فلا تقترب منها لإحساسها بخطر ما, فوجود اللون الأصفرهنا قد يحمل إشارة بالخطر, لكن في الفن هذه الإشارة المباشرة غير موجودة, فالأخضر لا يعني بالضرورة أنه شجرة, فالشجرة في العمل الإبداعي قد تكون سوداء أو حمراء عندما يكون الفنان ممتلئاً بهذا اللون أو ذاك, عندما يكون ممتلئاً بالأسود قد يرى الشجرة سوداء فيرسمها كما يراها في تلك اللحظة, ويمكن للفنان إذا اكتشف لوناً واحداً أن يعمل عليه سنوات ولا يصل إلى نهايته لأنه مثل البحر كلما توغلت فيه اكتشفت المزيد من الأسرار, ومع ذلك فإن الفن بمفهومه الواسع هو أكبر من حالة اللون واللوحة والقماش والفرشاة والضوء, إنه عالم مخيف وهائل, وعلينا ألا نزيف أنفسنا, علينا أن نبقى صادقين في علاقتنا بالعمل الفني, علينا أن نظل على بساطتنا, فطفل بسيط يرسم بأي خشبة بقعتين من اللون, قد يكون بالتفسير السيكولوجي من أهم التجريديين في العالم, ومن هنا فإن الصدق الإنساني هو المفتاح الرئيسي لكل بوابات العالم, فالمعاصرة ليست فقط زجاجة أو شاشة أو أرقاما, فهذه لغة غربية مادية نحن نعمل فيها ونقبلها لأن العالم وصل إلى هذه الحالة ولا يمكن أن يتراجع عنها, لكننا إذا أردنا أن نقدم أنفسنا يجب أن نتوخى الصدق ولا نزيف علاقتنا بالفن, فأكثر الفنون بساطة وفطرية هي أكثر الفنون معاصرةً في العالم, والمعاصرة ليست تجريداً وليست أن نضع بعض القطع على الأرض لنقول إن هذا عمل فني, المعاصرة بكل بساطة أن يقدم الفنان حالته الفنية التي تمثله وتعبر عنه, فكل الفلاسفة وكل علماء الدرس وكل الفنانين عندما يريدون العمل على مفهوم المعاصرة يرجعون إلى البدائية, وهكذا فإن أي سجادة ندوس عليها وأي باب نمر عليه, وأي شخبطة على الجدار يقوم بها طفل يمكن النظر إليها كعمل فني معاصر, التجريد انتهى ولم يعد معاصراً, فاليوم نجد أحدهم يأتي بقطعة حديد ويضعها في مكان ما ثم يقول إن هذا تجريد, ومن هنا أعتقد بأن القيمة الصحيحة في المعاصرة هي الفنان نفسه, الفنان الذي يعرف لغة العالم ويقرأها على طريقته.
وأثار الفنان مالفا قضية الاتجاه الفني نحو الاستفادة من المواد المهملة وتوظيفها بالأسلوب المفاهيمي, مؤكداً أنه بإمكان الفنان أن يتعامل مع كل هذه المكونات أو المخلفات المرتبطة بواقعنا الحياتي, ليصنع منها عملاً فنياً يسجل به موقفاً من الحياة أو يعبر عن حالة رفض, وقال مالفا : إذا اعتبرنا أن الفن شهادة عصر, ففي كل التيارات أو اللغات يمكن للفنان أن يتعامل مع لغة عصره, من خلال المادة وسياقها وشكلها سواء كان بالاستفادة من مواد خشب أو حديد أو حجر, وبهذا المفهوم ذهب بعض الفنانين إلى (المزابل) فجمعوا مواد من الحديد ولحموها وعملوا منها أعمالا نحتية, كما جمعوا مخلفات سيارات ودواليب, وقدموا تجارب أطلق عليها فيما بعد (فن المزابل) وكانت هذه الأعمال تسجيلاً لمواقف وحالات رفض معينة لها علاقة بالتلوث والبيئة والسياسة, فمثلاً لو تحدثنا عن العراق من هذا المنطلق, وأخذنا الأشلاء وبقايا السيارات المتفجرة, ونقلناها من الشارع, ومن محطات التلفزة التي يراها الناس من خلال شاشاتها, ثم وضعناها في صالة عرض أو في متحف واطلع عليها الناس الذين لم يروا المشهد في الواقع, سنكون بذلك قدمنا لهم هذا الواقع من خلال عمل فني, ولك أن تتخيل مدى تأثيره,هناك الكثير من الفنانين سلكوا هذا الاتجاه, فمثلاً الفنان نيرمان نيش لا يرسم باللون أبداً, فهو يذهب إلى أماكن ذبح الحيوانات ويأخذ من هناك سطول الدم, ثم يفرش الأرض بقماش أبيض ثم يسكب هذا الدم على القماش ليشكل به أعماله الفنية التي يعبر بها عن المجازر, ويسجل من خلالها رفضه للدموية, وأعماله الآن موجودة في كل متاحف العالم, إنه يستخدم لوناً واحداً هو لون الدم,واستطاع به أن ينقل التشكيل إلى الفضاء المسرحي الحركي,ويقدم عالماً عجيباً وغريباً.
وحول الحالة التي تقود الفنان إلى عمله الفني, أو التي تفرض عليه التعامل مع اللوحة بأسلوب معين, وما إذا كان ذلك يحدث عن طريق المصادفة قال مالفا: كل شيء هو مصادفة ولا مصادفة في آن واحد, فليس هناك مصادفة بلا وعي, فأنا لا أبكي بدون مبرر وكذلك لا أضحك بدون مبرر, وبالتالي فإن الفنان الذي يتجه إلى عمله فيجد نفسه مأخوذاً إلى أسلوب معين فلا يعني ذلك أنها مصادفة لأن هناك دوافع داخلية, فأعمالي الواقعية في هذا المعرض ليست هي كل تجربتي, ولكنني عندما أرسمها أتعامل معها على أنها مرتبطة بالمعاصرة, وتحضرني هنا مقولة جميلة قالها نيتشه عندما جاءه شاب يطلب منه كيف يعرف متى يمكنه أن يكتب شعراً فقال له:(عليك أن تتصور أنك جالس على فوهة بركان.. وقتها ستكتب شعراً) هذه هي اللحظة التي نشعر فيها أننا إذا لم نرسم أو نكتب سنموت, وعندما نرسم أو نكتب فكأنها آخر لوحة أو آخر قصيدة أو آخر نفس, ومن هنا فإن العملية الإبداعية مرتبطة بالمصير والحياة كلها,لأنك ضيعت حياتك وعمرك وأهلك ووطنك وكل شيء من أجل هذا العمل الفني, لذلك يجب أن يكون هذا العمل هو كل شيء بالنسبة إليك, وإلا ما كان يجب أن تأتي أصلاً لتكون إضافة إلى أسباب التلوث في هذا العالم.
جانب من المعرض