أخبار متعلقة
تنقل وهو ابن الثانية عشرة بين الزبير والهند ، تجاربه مليئة بالكفاح والعصامية التي تعتبر سلاحا لأوائل التجار في المملكة العربية السعودية. ضيفي من أسرة عرفت في المجال الصحي أكثر من غيره .. وهو من أوائل المؤسسين لثقافة العمل الصحي بالمملكة وكذلك من المؤسسين لكثير من الأعمال التي كانت المملكة بمناطقها المنتشرة بحاجة إليها كالتعليم للعنصر النسائي ولعله أول من أنشأ مدرسة للبنات في محافظة الخبر كما يذكر لي ذلك أحد ابنائه وهو ابراهيم الذي التقيت به في مكتبه بالخبر .
ضيفي من رجالات الملك عبدالعزيز المؤسس ـ رحمه الله ـ وممن خاضوا المعارك معه.. و له كثير من القصص والمواقف التي جعلت منه رجلا ناجحا يشار له بالبنان.
فمع الشيخ محمد المانع أترككم لتتعرفوا عليه أكثر من خلال هذه الحلقة لضيف من الذاكرة على أن ألقاكم ان شاء الله في حلقة مقبلة . مسقط رأس الأسرة
ـ يعود مسقط رأس أسرة المانع التي اشتهر وارتبط اسمها بعالم الصحة خاصة في شرق المملكة العربية السعودية إلى مدينة جلا جل كما تقول الدكتورة عائشة المانع ، وهي ابنة ضيف هذه الحلقة التي زرتها في مكتبها . البدايات
ـ كان عمره 5 سنوات حينما سافر ضيفنا إلى الهند مع والده عبد الله الذي كان يروج للخيول العربية ويشتريها من العراق وسوريا ولبنان لبيعها ، وتركه والده ليتلقى تعليمه في الهند إلى أن وصل إلى المرحلة الثانوية وهو ملم إلماما جيدا باللغة الإنجليزية وكانت الهند عند لحظة تخرجه تعج بسمعة الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ـ ويسمونه الهنود بالسلطان عبد العزيز وكانوا يكتبون عن توحيده المملكة وبطولات الملك ـ رحمه الله ـ
ـ شاب متحمس واع .. يعي قيمة الحياة وأهمية العمل كان إعجابه بشخصية الموحد الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ــ الانطلاقة التي قادته إلى مراحل مهمة في حياته سنتعرف عليها في هذه الحلقة من ابنه إبراهيم الذي كان معنا وتشاركنا معه في الحديث عن والده ــ رحمه الله ــ
ـ رفع خريج الثانوية في عهد الملك عبد العزيز رسالة إلى السعودية وقال فيها أريد أن أخدم الملك عبدالعزيز مترجما حيث انه يجيد اللغة الإنجليزية وفي هذا الوقت المملكة كانت أحوج ما تكون الى أبنائها الذين يجيدون اللغة الانجليزية.
ـ جاءه الرد سريعا بموافقة الملك عبدالعزيز - رحمه الله ـ ليعمل في أول وظيفة له كمترجما في الديوان الملكي الخاص حتى رافق الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ــ في كثير من رحلاته وجولاته التي كانت تتطلب مترجما جديدا, بالإضافة الى أنه ممن حاربوا وشاركوا في بعض المعارك التي خاضها الملك عبدالعزيز ورجاله رحمهم الله.
ـ بعد عمل طويل وخبرة عمل مع الملك المؤسس لضيفنا توجه بعدها للإلتحاق بشركة الزيت التي تسمى الآن « ارامكو السعودية « في المنطقة الشرقية وعمل كمترجم حتى كون رأس مال لمستشفى في المنطقة الشرقية وأول مشروع له كان ما يطلق عليه مستشفى المانع في الخبر الآن . من الذي كان يعطي تراخيص المستشفيات في ذلك الوقت حيث انه لا توجد وزرارات؟
ـ يجيب ابنه ابراهيم : كانت التراخيص تصدر بتوقيع الملك المؤسس نفسه - رحمه الله - ولذلك مازلنا نحتفظ بأول رخصة حصل عليها والدي يرحمه الله . وهل كان يعمل في مجالات أخرى غير الترجمة والمستشفى ؟
ـ نعم .. كان ضمن أول مشاريعه أنه أنشأ أول مصنع للثلج في المنطقة الشرقية في الأربعينات والخمسينات الميلادية ثم استكمل ذلك بعمل المستشفيات وبدأ بمستشفى للعيون في الخبر . جلاجل ماذا تعني لوالدكم ولكم ؟
ـ تعني له الشيء الكثير ولنا أيضا. هل كان والدكم يجيد أكثر من لغة؟
ـ نعم كان يجيد « الأردو « لغة الهنود. وماذا تعلمتم منه ؟
ـ تعلمنا منه حب البساطة والحياة سألت .. ابراهيم المانع سؤالا وهو أحد أبناء ضيفنا ـ رحمه الله ــ .. ابراهيم هذا المسؤول الذي يدير دفة عمل مقلق مجهد ترتبط فيه أرواح الناس بعد الله سبحانه وتعالى وهو رئاسة مجلس إدارة مستشفيات المانع .. رجل مؤدب .. خلوق .. هل تضيف الثروة في نظرك للإنسان ؟
ـ الثروة هي « وسخ دنيا « فلا يمكن أن تكون مصدر سعادتنا إذا لم يتعامل الإنسان من الأساس على مبدأ الإحسان بل ربما تكون مصدر شقاء لمن يملكها .. المهم أنها تضيف للإنسان الكثير إذا وضع مخافة الله نصب عينيه دائما. هل تعتبر والدكم من الرواد الأوائل المؤسسين لثقافة العمل الصحي في المملكة ؟
ـ بكل تأكيد . وبأي انواع الطب كان والدكم يعجب ؟
ـ بالطب الألماني ولذلك كان كل من يعمل لديه في أول مستشفى أسسه في الخبر أطباء ألمان. لماذا ؟
ـ لأن مستوى العمل الصحي في ألمانيا كان عاليا ولديهم تقنيات في ذلك الوقت تعد من أفضل الموجود . كم عدد أبنائه ؟
ـ 5 ذكور و5 إناث. هل تسمع بما يسمى « محال « في عنيزة من أسرة المانع ؟
ـ لا . عائلــــــة والدتكم من المانع أيضا ؟
ـ والدتي من أسرة الدايل من الرياض. كم دكتورة في العائلة ؟
ـ 2 .. الدكتورة عائشة والدكتورة سناء وكلتاهما يعملان في نفس المستشفيات. وهل من أحفاد والدك ـ رحمه الله ــ من هو طبيب ؟
ـ الآن لا ولكن ابنتي ستتخرج كطبيبة قريبا ان شاء الله في جامعة الملك فيصل. والآن أعمالكم تتركز على أي قطاع
ـ على القطاع الصحي سواء كان مستشفيات أو تجارة في المعدات الطبية . على ماذا كان ينبهكم والدكم دائما؟
ـ كان ينبهنا على أشياء كثيرة ومنها الجودة في العمل وتحسينه ودائما ينصح بألا نتوانى عند شراء أفضل المعدات الطبية واستقطاب أفضل الأطباء وأن لا ننظر للناحية المادية البحتة في عملنا . كم عدد الموظفين التابعين لمستشفيات المانع؟
ـ 4 آلاف موظف. من هم أصدقاء والدك ؟
ـ من أصدقائه الشيخ محمد بن دغيثر والشيخ تركي العطيشان والأسماء كثيرة لا تحضرني حقيقة الآن. هل كان تركيزه في تربيتكم ينصب على شيء معين ؟
ـ نعم كان يحثنا على الأمانة والصدق والإخلاص في كل شيء . وما حكاية والدكم مع المدارس ؟
ـ هو - رحمه الله - أول من أسس مدرسة للبنات في الخبر مع بعض رجال الأعمال وكانت النواة للمدارس الخاصة . هل الانخراط في مجال القطاع الصحي حساس فعلا ؟
ـ نعم. متى سنرى حجم الأطباء السعوديين يعادل ما نراه من أطباء أجانب في مستشفياتنا برأيك ؟
ـ أنا متفائل بهذا الخصوص وأظن انه في السنوات المقبلة وما بعدها سنرى أطباء وطبيبات سعوديين أكفاء . تكثر الشائعات حول أي رجل ناجح بعد وفاته خاصة رجال الأعمال ولكن الملاحظ أن والدكم ــ رحمه الله ــ لم يثار حوله أي شيء من هذا القبيل ورحل كما يقول الكثير بهدوء .. إلى ماذا تجير هذا ؟
ـ لأنه منصف للجميع وسيرته وحياته كلها مبنية على الأمانة والصدق والإخلاص رحمه الله. هل كان والدكم يمنحكم صلاحيات في العمل ؟
ـ كان يمنحنا أكثر من الصلاحيات التي نستحقها. متى عملت مع والدك ؟
ـ وأنا في سن العاشرة. هل تذكر قرارا اتخذه وندم عليه ؟
ـ اذكر انه دخل شراكة في عمل ما ، وحصل شبه خلاف بينه وبين شريكه ولكن من طيبته - رحمه الله - تنازل عن حصته لأجل ألا يتضايق شريكه . ما الذي يكرهه في الناس ؟
ـ الكذب. علاقة والدكم وثقة المسؤولين فيه هل ساعدتاه في تبني سياسة عمل العنصر النسائي في تجارته ؟
ـ نعم وهو مؤمن إيمانا كبيرا بأن للمرأة السعودية دورا إيجابيا وكبيرا وبالذات في القطاع الصحي. ما الذي ينقص المنطقة الشرقية في نظرك ؟
ـ المنطقة تتطور يوما بعد يوم وتحتاج إلى أن نتكاتف كرجال أعمال من أجل المزيد من نموها وتطورها . ما الذي تتمتع به المستشفيات الخاصة من الحكومة لدينا ؟
ـ تتمتع بمزايا كثيرة كالقروض والمساعدات والدعم من الدولة . العراق .. ماذا عنه كمحطة من محطات الوالد ؟
ـ نعم حينما خرج جدي عبد الله من جلا جل ذهبوا إلى الزبير وهي مدينة نجدية في طرف العراق ومن هناك كان سفرهم أسهل الى الهند . ما رأيك فيما يحصل في العراق الآن؟
ـ شيء محزن للغاية وندعو الله أن يهون عليهم مصيبتهم. موقف لا تنساه لوالدك ؟
ـ المواقف كثيرة ولكن منها اعترافه بالخطأ وتركيزه على أهمية اعطاء الحقوق لأصحابها ويتحاشى ظلم أحد . ما الذي يخوفكم الآن كمستثمرين في المجال الصحي ؟
ـ خوفنا يكمن في دخول شركات أقوى منا تعمل في المجال الصحي ولكننا ماضيون للعمل وتطويره أكثر فأكثر . في نظرك ما الذي يؤدي إلى خروج الأموال السعودية الخارج ؟
ـ اعتقد أن أسباب خروج الأموال التي كانت موجودة سابقا زالت والآن البلد فيه مجالات كثيرة للاستثمار. هل بكيت يوما ما ؟
ـ نعم لحظة وفاة والدي. كيف علاقة والدك بوالدتك ؟
ـ علاقة حب وكانت والدتي متفانية في خدمته جزاها الله خيرا. أيهما أصدق في الحب برأيك .. المرأة أم الرجل ؟
ـ المرأة. هل يحب والدكم المخاطرة؟
ـ نوعا ما. وأنت أخ ابراهيم ؟
ـ لا . كيف تصف لي علاقة والدك بكم ؟
ـ جدا ممتازة وكان عطوفا جدا على البنات ويحب تشجيعهن وهو مدرسة وقدوة حسنة . هل أصدقاء اليوم هم أصدقاء الستينات الميلادية ؟
ـ لا للأسف الشديد فالصداقات التي كانت موجودة لم نعد نراها ونتمنى أن نجدها في هذا الوقت . ما نصيحتك لرجال أعمال مبتدئين؟
ـ نصيحتي أن يستعينوا بالتخطيط السليم والدراسة الجيدة لأي عمل . كيف تصف علاقة سمو أمير الشرقية مع رجال الأعمال في المنطقة الشرقية ؟
ـ الأمير محمد بن فهد منذ قدومه للمنطقة الشرقية بذل قصارى جهده من اجل تطوير المنطقة أولا وثانيا في علاقاته مع رجال الأعمال ومجالسه مفتوحة مع رجال الأعمال وهو يدعم كل مافيه خير وصالح للمنطقة ولرجال الأعمال أيضا وأنا حضرت الكثير من هذه اللقاءات وكان يحثنا دائما على العمل بما يجعل للمنطقة الشرقية تميزا خاصا بها . لماذا كثرة الأخطاء الطبية في المستشفيات بحكم عملكم الطويل وخبرتكم في مجال المستشفيات ؟
ـ الأخطاء الطبية تحصل في كل أنحاء العالم وتعرف أن الطب ليس علما محدودا فهو باب واسع ومهما اكتسب الطبيب خبرة يظل بحاجة أكثر ولكن ما نخاف منه ليس الخطأ غير المقصود ولكن الخطأ الذي يأتي من إهمال وعن جهل وهذا ما نحاربه في مستشفياتنا . هل أنت مع من يقول : سمعة رجل الأعمال إن ذهبت لا تعود ؟
ـ هو طبعا هذا الكلام فيه شيء من الصحة ولكننا شاهدنا رجال أعمال حصل لهم بعض الإخفاقات وأعادوا ترتيب أنفسهم ونجحوا .
متى توفي الوالد ؟
ـ قبل 20 سنة تقريبا في الخبر. بعد وفاته .. هل لمستم أشياء لم تكن في بالكم حاضرة ؟
ـ نعم علاقاته القوية والطيبة لم نكن نتخيلها بهذه الصورة وإقبال الناس في عزاه دليل على ذلك وهو - رحمه الله - شخصية مميزة . هل كانت له اهتمامات سياسية .. شعرية ... ثقافية ؟
ـ سياسية لا.. ولكنه يحب الثقافة والشعر . وما هوايته ؟
ـ القراءة وأذكر انه يقرأ غالبية الجرائد العربية والإنجليزية. هل تذكر في أي عام كانت تراود والدكم فكرة إنشاء كلية للطب؟
ـ كان طول حياته هذه أمنية من أمنياته ونحن نسعى الآن لأن تكون واقعا ان شاء الله في الخبر. مادام حديثنا عن الطب .. ماذا تتمنى من المسؤولين في كليات الطب والكليات الصحية ؟
ـ أتمنى أن يتوسعوا في قبول الطلبة في كلا المجالين وأعتقد أنهم ماضون في هذا الشأن لاستيعاب عدد أكبر في السنوات المقبلة . لو كنت وزيرا للعمل ماذا ستقرر أولا؟
ـ مراعاة بعض التخصصات التي لا تتوافر لدينا. ما أبرز التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في المملكة برأيك ؟
ـ النقص في عدد المؤهلين والعجز في التمريض وهذه إشكالية عالمية . هل انت راض عما يقدم صحيا في كثير من القطاعات الصحية الخاصة ؟
ـ أنا أعتقد أن ما يقدم شيء جيد جدا ومشرف حقيقة ولكننا نريد ما هو أفضل دائما ومستوى العمل الصحي في المملكة أحسن بكثير من دول أخرى بل وأميز ، ونريد أن نكون متقدمين وأوائل في هذا المجال وانظر الى العمليات التي تحصل في مستشفيات المملكة على انها لا تجرى في كثير من الدول حتى الأوروبية مثل فصل التوائم الذي أجري في الحرس الوطني . لوالدكم مؤلف .. ماهو ؟
ـ نعم كتاب عبارة عن 397 صفحة يتكلم فيه عن توحيد المملكة العربية السعودية وهو شيق جدا ويستحق القراءة. معنى هذا أن لوالدك اهتمامات إعلامية أيضا ؟
ـ نعم كلمة أخيرة
ـ شكرا لك وشكرا لـ(اليوم) على هذه الاستضافة.
من مذكرات الضيف
مقدمة لكتاب توحيد المملكة العربية السعودية كتبها والد الضيف - رحمه الله - تستحق ان تنشرها (اليوم) وقال فيها رحمه الله:
في مطلع هذا القرن كان الزبير, مسقط رأسي, مدينة تعج بالحركة وتنعم بالرخاء لوقوعها على الطريق التجاري الرئيس بين العراق ونجد. وكانت مدخل التجار النجديين, الذين يمثلون غالبية سكانها, الى العراق وما وراءها. وكان ابي النجدي الاصل يعمل في تجارة الخيول العربية. وكان اكثر زبائنه مهراجات الهند ورجال سلاح الفرسان البريطانيين. وحين بلغت العاشرة من عمري اخذني لأعيش معه في بومبي. وقد امضيت هناك اثنتي عشرة سنة من حياتي, درست خلالها في احدى المدارس الانجليزية وتنقلت من مكان الى اخر لتدبير الاعمال التجارية الانجليزية لاسرتي. لكنني مع ذلك كنت مهتما جدا بشئون موطني, جزيرة العرب, حيث ظهر قائد عظيم جديد اسمه عبدالعزيز بن سعود. وقد سحرتني بطولات ذلك الرجل الفذ فصممت على ان اقوم بخدمته وخدمة وطني.
وحين تركت المدرسة حاول ابي اقناعي بالبقاء في الهند ودراسة الطب. لكن فكري كان قد استقر على امر اخر. كنت اريد ان اعود الى الجزيرة العربية. وفي تلك الاثناء حاولت ان اجد عملا لدى التجار في البصرة غير اني لم اوفق الى ذلك حيث اخبرت بان مؤهلاتي كانت اعلى مما تحتاج اليه اعمالهم. وكان من يتكلمون الانجليزية من سكان المنطقة حينئذ قليلين جدا, باستثناء اليهود وعدد من المسيحيين.
وخلال تلك الفترة كتبت عددا من الرسائل التي قبلت للنشر في صحيفة «بصرة تايمز» الصادرة باللغة الانجليزية. على ان بعضا من هذه الرسائل كان قد كتب واما لا ازال في الهند. وكان رئيس تحرير تلك الصحيفة شابا من ويلز سرعان من اصبح صديقا لي. وقد عرض علي عملا في صحيفته ازاوله حتى اصبح احد كتاب مقالاتها فيها بعد.
ولسوء حظي فقدت ذلك العمل بعد فترة قصيرة بسبب منافسات كانت جارية داخل مكتب الصحيفة المذكورة.
وساءت حالتي المادية جدا. ولم يشأ والدي ان يساعدني لانني لم اصغ الى نصيحته فيما مضى. وذات ليلة كنت اصلي بتضرع وخشوع في البيت الذي كنت اقيم فيه بالزبير واذا بأحد اقربائي يزورني. وحين علمت انه قد جاء عن طريق البصرة سألته عن اخر انبائها. وكم كان فرحي عظيما لما ذكر لي ان رجلين من ديوان ابن سعود كانا في تلك المدينة حينذاك.
ذهبت مباشرة الى رئيس تحرير «بصرة تايمز» وسألته عما اذا كان يرغب في نشر مقابلة مع واحد م وزراء ابن سعود. فرحب بالفكرة, وبلغ من تحمسه لها ان اقترح عدة اسئلة يمكن ان اوجهها الى ذلك الوزير. وفي اليوم التالي توجهت الى البصرة واجريت مقابلة ممتعة مع كل من الوزير عبدالله الدملوجي وحافظ وهبة. وبدافع مفاجىء سألت الدملوجي عند نهاية المقابلة عن امكانية وجود عمل لي في ديوان ابن سعود. وقد اوضحت له انني قد حصلت على مستوى علمي جيد في مدرسة انجليزية في الهند, وانني اتكلم اللغتين الانجليزية والاردية بطلاقة, بالاضافة الى لغتي العربية. فوعدني انه سينظر في هذا الموضوع. وبعد اسبوعين تسلمت برقية تفيد بتعييني مترجما في ديوان الملك. وكان جلالته حينئذ في مكة المكرمة. وقد وصلت الى هناك في السادس والعشرين من شهر مايو سنة 1926م (1344هـ) وانا لا اكاد اصدق ما حدث لي من حظ سعيد. وهكذا بدأت فترة خدمتي مع الملك.
وبقيت مترجما في الديوان تسع سنوات كاملة كنت خلالها مرافقا لجلالته في كل اسفاره وغزواته. وكانت تلك الفترة مليئة بالاحداث الكبيرة. فقد شهدت انبثاق نجم حركة الاخوان الصاعد ثم تمردهم ونهايتهم, كما شهدت الحرب مع اليمن وبداية قصة الزيت العربي. وحينما انتهت خدمتي في الديوان كان لدي الشيء الكثير مما يمكن ان اقوله عن تجاربي الخاصة. كان اصدقائي يحثونني على تـأليف كتاب عنها. وظلت فكرة التأليف تراودني, لكني لم اشرع في تنفيذها الا مؤخرا. ولعل مما دفعني الى ذلك ان عددا من اصدقائي الانجليز اخبروني بانهم ملوا قراءة الكتب والمقالات التي كتبها عن العرب وجزيرتهم اوروبيون جعلوا من انفسهم خبراء فيما يكتبون عنه بعد زيارة للجزيرة مدة لا تتجاوز بضعة اسابيع, وانهم يعتقدون انه قد آن الاوان ليكتب مواطن عربي كتابا باللغة الانجليزية يوضح فيه وجهة النظر العربية حول تاريخ بلاده الحديث. وهكذا بدأت تأليف هذا الكتاب الذي يجعل من توحيد جزيرة العرب موضوعه الاساس, ويروي قصة ابن سعود منذ استيلائه على الرياض سنة 1902 (1319هـ) حتى منتصف الثلاثينات من هذا القرن حينما بدأت ملحمة الزيت.
لقد دونت كتابات ممتازة باللغة الانجليزية عن حياة ابن سعود واعماله,. ولعل من اهمها ما كتبه الانجليزي المشهور هاري سانت جون فيلبي. واذا كان هدفي من هذا الكتاب ليس مجرد اعادة للمعلومات التي يمكن ان توجد في كتابات اخرى فان املي كبير في ان يملأ بعض الفجوات التي تركها المؤرخون. ولهذا ركزت اهتمامي على ان اروي بنوع من التفصيل الاحداث التي اشتركت فيها شخصيا خلال سنواتي التسع في خدمة الملك. اما ما حدث قبل هذه السنوات فقد رويته بصورة موجزة اتماما للفائدة. وقد فضلت ان اعتمد في كتابة ما لم اشارك فيه من احداث على الرواية الشفهية لاولئك الذين شاركوا فعلا في صنعها بدلا من الاشارة الى ما كتبه المؤلفون عنها.
ومع الاسف الشديد قد مضى الان اكثر من اربعين سنة على تركي الديوان الملكي. وبمرور الزمن لم تعد ذاكرتي كما كانت من حيث القوة والكمال. وعلى اية حال فقد بذلت جهدي, واملي ان يعذرني القارىء الكريم على ما قد يجده من اخطاء في هذا الكتاب دون قصد مني. وخاتما لابد لي ان اذكر الدافع الاكبر لكتابتي هذا الكتاب وهو اني اردت ان اعبر عن تقديري الخاص لذكرى ذلك الرجل الذي اصبحت معجبا به اكثر من اعجابي بغيره من الرجال: صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن سعود.
الزميل وائل المسند يحاور ابراهيم المانع
أسواق مدينة الرياض قديما