في حديث سابق أشرنا الى ان الحرب لا يستقيم وقوعها مع الحالة الراهنة التي يمر بها الاقتصاد العالمي، فاقتصاديات مناطق ودول العالم مريضة، فالحرب التي وقعت ستزداد الحالة منها سوءا، وتناولنا في تشخيصنا لهذه الاقتصاديات منطقة الإيرو بأوروبا التي تضم اثنتي عشرة دولة منها ألمانيا وهي أكبر ثالث اقتصاد بالعالم، فوجدنا ان اقتصاد المنطقة لم ينم إلا بمعدل متواضع بلغ 0.8% عام 2002م وان هذه الحالة استمرت في هذا العام
2003م ولم تتبدل وهي وإن تبدلت فإنها تتبدل للأسوأ على اثر الواقع السيئ لدقات طبول الحرب والارتفاع الحادث في أسعار النفط.
ان كافة المؤشرات والتبدلات الاقتصادية تدل على ان المرحلة التي تمر بها أوروبا صعبة فعلا، وان كان بعض التحسن قد طرأ على بعضها فليس معنى ذلك ان الاقتصاد الأوروبي يستطيع ان يخرج من حالة الركود الاقتصادي بيسر وبسرعة فهذا أمر غير وارد في المدى القصير، فالمناخ الاقتصادي بها يتسم بصفة عامة بحالة من الضعف وجاء عامل جديد وهو عنصر وقوع الحرب ليزداد الطين بلة، فقد ساهم هذا العنصر بشكل محسوس وكبير في عدم استقرار الأوضاع وتقلبها في أوقات قصيرة جدا من حالة الى حالة أخرى نقيضة لها، الأمر الذي بات معه ساسة الاقتصاد في أوروبا ومناطق العالم الاخرى يتخبطون في رسم سياساتهم واتخاذ قراراتهم بل أكثر من ذلك في تصريحاتهم وبدوا كأنهم عاجزون عن فعل الصحيح وقول الصواب.
أوروبا اليوم أعراض المرض ظاهرة وواضحة عليها.. أوروبا تعاني ركودا اقتصاديا، فالمناخ الاقتصادي بها بصفة عامة يتسم بالضعف، وثقة المستهلكين وثقة المستثمرين تقل وهو ما أدى الى تدني الاستثمار الرأسمالي للشركات وازدياد مخاطر الدائنية ومعدلات البطالة تتزايد والميزانيات العامة لدولها تزداد عجوزاتها والفجوات في حساباتها الجارية هي الاخرى تزداد وبورصاتها تتقلص وتفقد مؤسساتها وشركاتها الضخمة الكثير من دخولها. أوروبا معدل البطالة بها وصل الى 8.6% في شهر فبراير من هذا العام، وألمانيا وهي أكبر اقتصاد بأوروبا بلغت نسبة البطالة فيها في شهر فبراير 11.3% من القوى العاملة المقدرة بحوالي 4.7 مليون ، أي ان عدد العاطلين
عن العمل وصل الى 410 آلاف وهي أكبر نسبة بطالة بها على مدار عقد بالكامل.
الشركات الاوروبية الكبيرة والقائدة (وفق دراسة أجرتها دي كي دبليو طث) والتي تضمن مستويات معينة للمعاشات (185 شركة من 300 شركة منها) ازداد العجز بصناديق معاشاتها بشكل لا يصدق من 98 بليون دولار بنهاية شــــــــهر نــــوفمبر الماضي الى 267 بليون دولار .
صناديق إدارة الأموال وعلى اثر التطورات الحادثة أصبحت تتخوف من الاستثمار في الاسهم ويلجأون الى التخلص منها، ففي شهر فبراير من هذا العام 2003م انخفض متوسط ما لدى احد عشر صندوقا أوروبيا من الأسهم الأمريكية الى 54.5% من 55.6% في شهر يناير من مجموع ما لديهم بالعالم وانخفض هذا المتوسط في أوروبا (باستبعاد ألمانيا وفرنسا) الى 8.3% من 9.1% بنفس الفترة .