نعرف جميعا ويعرف المتابع لهذه السلسلة من المقالات ان القائد الفعال هو القائد الذي تحركه اهداف بعيدة المدى، وتكون لديه طموحات عالية مقارنة بمن معه وحوله. هذه الاهداف بعيدة المدى تمثل الرؤية التي يسعى للوصول اليها، ويكون لها دور كبير في تحفيزه داخليا للاستمرار في سيره نحو تحقيق اهدافه ورؤيته المنشودة لمستقبل افضل.
وكمثال على اهمية الرؤية نورد قصة عالم النفس النمساوي فيكتور فرانكل. كان فرانكل معتقلا في احد معسكرات النازية اثناء الحرب العالمية الثانية، وقد اكتشف اثناء فترة الاعتقال ان بداخله طاقة ترفعه فوق ظروف القهر والسجن. وكان، اضافة الى كونه معتقلا، يقوم بمراقبة ما يدور داخل هذا المعسكر. واخذ هذا العالم يسأل نفسه السؤال الهام : ما الذي جعل بعض الناس يصمدون اثناء هذه التجربة المريرة وينجون بينما مات الاغلبية ؟ وبحثا عن الاجابة بدأ فرانكل يدرس المعتقلين المتواجدين معه في ضوء عدة عوامل شخصية منها الصحة والحيوية وهيكل الاسرة والذكاء واساليب البقاء. وقد خلص العالم النمساوي الى ان كل هذه العوامل لم تكن هي السبب الرئيسي، بل كان السبب الرئيسي الذي اكتشفه داخل الناجين من هذه المأساة هو وجود الاحساس بالرؤية المستقبلية.
اذ سيطر على كل من نجح في البقاء يقينا بأن له مهمة في الحياة يجب استكمالها، وان لهم مهام حيوية مازالوا في حاجة الى الانتهاء منها.
وقد ذكر اسرى الجيش الامريكي في فيتنام نفس الشيء، لقد كانت الرؤية المستقبلية القوية التي يملكها هؤلاء الاسرى هي القوة الدافعة التي منحتهم القدرة والرغبة في الصمود والبقاء.
كما ان البحوث اثبتت ان الاطفال الذين لديهم رؤية واضحة لمستقبلهم يكونون اكثر نجاحا من الناحية الدراسية. كما انهم اقدر من سواهم على مواجهة تحديات الرؤية.
وينطبق هذا على المنظمات والشركات ايضا. فالمنظمات التي لديها شعور وايمان برسالتها واهدافها تتفوق على غيرها ممن لا يملك مثل هذه الرؤية. وفي هذا المجال يقول عالم الاجتماع الالماني فريد بولاك ان العامل الاول في تحقيق النجاح في كل الحضارات كان تلك الرؤية الجماعية للشعوب، وللمستقبل الذي ينتظرها.
طلب مرة من توم بيتر مؤلف كتاب (بحثا عن الامتياز) ان يعطي نصيحة جوهرية واحدة تفي بجميع الاغراض التي تساعد المنظمات على تحقيق الامتياز أجاب : عليك بتحديد منظومة القيم قرر ما تمثله الشركة التي تعمل بها. ضع نفسك عشرين عاما في المستقبل، ما الاشياء التي ستنظر اليها خلفك وانت راض تماما.
ان القائد يترك التفاصيل لاصحابه الذين يثق بهم ويكتفي بتوجيههم نحو الاهداف العامة والرؤية المستقبلية التي يسعى لتحقيقها لهم.