أخبار متعلقة
صدر مؤخرا في زيوريخ كتاب (خمسة وخمسون سببا كيلا نتضامن مع الولايات المتحدة الامريكية) من تاليف تيل باستيان وتيل باستيان مؤلف هذا الكتاب مولود في ميونيخ عام 1949 درس الطب في ماينز وعمل في عيادته الخاصة حتى عام 1982 ترأس فرع اتحاد الاطباء العالمي للحماية من الحرب الذرية في المانيا لعدة سنوات وحاز هذا الاتحاد على جائزة نوبل للسلام في العام 1985 له مؤلفات عديدة آخرها (المعارضون للصمت بندو 2001) هناك الكثير من الاسباب التي يمكن عرضها في مواجهة الحرب التي تعدها الولايات المتحدة الامريكية ضد (محور الشر) ولكن اهم هذه الاسباب ماعرضه المؤلف تيل باستيان في كتابه ويوضح مقولته من ان جورج بوش الذي طرح نفسه كاحد فرسان الحروب الصليبية من اجل الخير لا يمثل في الواقع غير مصالح الاقتصاد والطاقة الامريكية ويقود مسارا واضحا من الرفض لقرارات برنامج كيوتو لحماية البيئة في العالم حتى مفاوضاته مع طالبان قبيل حربه ضدها حول انبوب النفط في آسيا الوسطى. يهدي باستيان كتابه لذكرى صديقه هولغار هافن الذي ولد في المانيا وهاجر الى الولايات المتحدة الامريكية حيث خدم في جيش الولايات المتحدة الذي حرر المانيا من النظام الهتلري والذي اصبح ناقدا فيما بعد لسياسة الولايات المتحدة الامريكية الخارجية (لقد كان موقفي الرافض لمشاركة المانيا في حرب الخليج عام 1991 اساسا في لقائنا من جديد) يقول المؤلف انه يستعرض في مقدمته العلاقة التاريخية الخاصة بين المانيا والولايات المتحدة ومنبها للخطأ الشائع بان امريكا قارة اكتسبت تسميتها بفضل الالماني مارتن فالد مولر والولايات المتحدة جزء من هذه القارة حيث تم ذلك في عام 1507 وفي الاحداث الكارثية التي يعجز فيها التعبير عن المصاب كما هو الحال في ضربة برجي مركز التجارة العالمي الارهابية ووفاة اكثر من 3 آلاف ضحية لم يجد رئيس كتلة النواب الاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان (شتروك) غير كلمة (في هذا الوقت كلنا امريكيون) هذا التماهي في المصاب كان تجاوبا مع قول كندي في برلين:(انا برليني) وفي مثل هذه الحالات يصبح لدى بعض الاوساط اي نقد للسياسة الامريكية الخارجية نوعا من معاداة امريكا ومع ذلك وتوخيا للحقيقية يقوم المؤلف بتحليل توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة واستعراض الاسباب التي دعته لمعارضتها وتتمثل اهمها بالقول ان ذلك الديكتاتور العراقي صدام حسين الذي وصفه الرئيس الـ43 للولايات المتحدة الامريكية جورج دبليو بوش في خطابه عن وضع الامة يناير 2002 كجزء من (محور الشر) وبدا ان ضربة الولايات المتحدة العسكرية والموجهة ضده لن يطول انتظارها انما قد اكتسب قوته بفضل المساعدات العسكرية الامريكية ودعم مخابراتها السرية فحتى بداية العام 1990 قبل ان يضم الكويت بوقت قصير وصفه احد خبراء القوات المسلحة الامريكية بواحد من عوامل الاستقرار في الشرق الاوسط (د.ف. جونسون) ونفس الخبير يراه اليوم كاحد الاشرار مع انه شريك الامس المرغوب ان مثل هذه السياسة القابلة للتقلبات السريعة بحاجة لتمحيص بدقة خاصة من اولئك الساعين للارتباط بها وهذا الامر جدير بجمهورية المانيا الاتحادية (ان الارتباط ببلاد تضع شركاءها على الدوام في ميزان مصالحها يستدعي قولنا الحذر من ان هذا الارتباط يستحق ما يلزم من تمعن ومناقشة دقيقة لسياستها) يقول المؤلف (وهناك مسائل متعددة اخرى يقوم المؤلف بمناقشتها وتتعلق بالتحالفات فقبل ان تصبح الحكومة العراقية التي يقودها صدام حسين من بين الدول المارقة كانت من اصدقاء العالم الحر الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية وجرى السماح لها بصمت مريب في ان تمعن في خرق القانون الدولي وحقوق الانسان ومباغتة الجارة ايران بالحرب في سبتمبر 1980 بعد ان مزق صدام حسين امام عدسات التلفزيونات بوقت قصير اتفاقية الحدود التي وقعاها في الجزائر ثم قام باستخدام الغازات السامة ضد المدنيين الاكراد يوم 16 مارس 1988 وفاق عدد الضحايا الألف ضحية مثل هذه الجرائم لم تجعل من صدام حسين مارقا في نظر جورج بوش الاب الرئيس الـ41 لحكومة الولايات المتحدة الامريكية ولكنه ضم الكويت 2 اغسطس 1990 وما هو مرتبط بهذا الضم من تهديد لاستيراد العالم الغربي من النفط كما لم تقدم الولايات المتحدة ادلة بينة تدين صدام حسين بعد عشر سنوات من هزيمته في حرب الخليج بداية عام 1998 بالتخطيط لضربات ارهابية تستهدف مؤسسات امريكية داخل الولايات المتحدة الامريكية او خارجها وقد نشرت صحيفة سود دويتشه تسايتونج في 27 مارس 2002 ما يلي:(لو كانت الدلائل بينة ومقنعة كما تدعي حكومة الولايات المتحدة دوما فلن يكون من الخطأ عرضها بالشكل الذي تراه مناسبا وعلى ضوء الـ14 نقطة التي عرضها الرئيس الـ28 للولايات المتحدة توماس ولسون في 8 يناير 1918 من اجل اقامة نظام عالمي ديمقراطي جديد بعد نهاية الحرب العالمية الاولى ومن خلالها توجب ان تكون الدبلوماسية شفافة امام انظار العالم على الدوام) ويحذر المؤلف من تلك الخفة التي تم فيها الاعلان على الملأ (الحرب على الارهاب) دون تحليل سياسي وانطلاقا من المصالح الخاصة واستنادا الى تعريف مبهم للارهاب وفي تعريفنا للارهاب يمكن الاستناد في هذا المجال لكتاب العالم اللغوي الامريكي نعوم تشومسكي وهنا نجد امثلة كافية لممارسة الولايات المتحدة دعمها للارهاب وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر حالة الديكتاتور البانامي (مانويل نورييغا) الذي كان يتقاضى من المخابرات الامريكية راتبا سنويا قدره 200 الف دولار حتى قررت الولايات المتحدة الاطاحة به في ديسمبر 1989 بالتدخل العسكري الذي ترافق بخسائر كبيرة بين المدنيين. وعلى قاعدة التهمة بالارهاب التي يسوقها جورج بوش حسب الطلب التاريخي يمكن ان تدخل في التحالف ضد الارهاب دول وقوى ومجموعات بذريعة مقاومة سبق لها وارتكبت جرائم حرب جسيمة وخروقات لحقوق الانسان. ويقدم المؤلف امثلة حكومة الرئيس فلاديمير بوتين بحملتها ضد الشيشان ورئيس وزراء اسرائيل الحالي ارييل شارون هذا المثال - ولاسباب كارثية محزنة - نجده غنيا بالتجربة والافادة اذ ان التجربة الجارية تبدو كما لو كانت في مختبر علمي حيث ان التصعيد العسكري الدائم كوسيلة وحيدة يمارسها شارون كسياسة لم يؤد لتحقيق الوعود التي قطعها على نفسه اثناء معركته الانتخابية للعيش في امن وسلام بل جري العكس من ذلك حيث ساءت حالة اسرائيل الامنية بسرعة وبعد عام من تسلمه رئاسة الوزراء (شارون الملقب بالبلدوزر) سقط مئات الاسرائيليين والفلسطينيين ضحايا وعم الخراب والفوضى السياسية وفي مارس 2002 صرح الرئيس بوش (بصراحة ليس من باب المساعدة ما تفعله اسرائيل) لقد اطلق ذلك التصريح عبر وسائل الاعلام العالمية وكالعادة لم يتبع ذلك اية اجراءات كمحاولة على الاقل لدفع اسرائيل للتقيد باحكام القانون والشرعية الدوليتين بل ادى التصعيد والوضع المأساوي لان يطالب ممثل الولايات المتحدة في مجلس الامن الدولي خلال اسبوع عيد الفصح 2002 بانسحاب القوات الاسرائيلية من رام الله ولكن الرئيس بوش وفي اليوم نفسه اعلن عن تفهمه ( حق اسرائيل بالدفاع عن النفس) من دون الاشارة الى قرار مجلس الامن وتبدو مسئولية القيادة السياسية في الولايات المتحدة واسرائيل واضحة في إيجاد ازمات الامم المتحدة ثم عدم احترام قراراتها وفي ابريل طلب الرئيس بوش من اسرائيل اخلاء مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني ولكن تهديداته بقيت مجرد اقوال:(وما دام الكلام لا يتبعه افعال بالضغط على شارون الذي يتلقى ثلاثة مليارات دولار سنويا كمساعدة عسكرية فلن يتراجع رئيس الوزراء الاسرائيلي عن نهجه الاستفزازي). وكتبت صحيفة (سود دويتشه تسايتونج) وبغض النظر عن التقييمات الاخلاقية فان شارون بالذات الذي يسعى لفرض الامن والسلام بالوسائل العسكرية قد وصل للنتائج المعاكسة تماما ومن بين الاسباب الرئيسية الاخرى التي يقدمها المؤلف لعدم التضامن مع موقف الرئيس بوش يرى انه من باب اولى تفحص تحالفات الولايات المتحدة الامريكية نفسها وعلى ضوء المبادىء التي تنادي بها ان تحالفات جديدة اقامتها امريكا مع بعض بلدان آسيا الوسطى وحيث بدا ان الوضع في هذه المنطقة يمكن ان ينزلق نحو الأسوأ كما حصل في الشرق الاوسط ويشير المؤلف في هذا السياق الى ما كان قد قيل بان صدام حسين عامل استقرار وطالبان عامل استقرار ويؤكد ان الولايات المتحدة تسعى لايجاد (غول اسلامي) وتعتبره مصدر تهديد للآخرين عندما يخدم ذلك سياساتها فالمهم دائما هو تثبيت وجود (القواعد العسكرية) وتأمين طرق النفط (فحقوق الانسان والديمقراطية لا دور لها في هذا المجال) كما ينقل المؤلف عن صاحب كتاب (الكفاح من اجل العقيدة والسلطة ميونيخ 2002) وبكل الحالات يرى المؤلف ان العامل الحاسم في السياسة الامريكية هو المصالح القومية للولايات المتحدة التي يمكن على ضوئها النظر بكثير من المرونة المطاطية للديكتاتوريات وتقييم اذا كان هذا الديكتاتور صديقا ام عدوا؟ حليفا او مارقا بكل الاحوال ايضا وكما تشير الحالة العراقية يمكن للتقييم ان يتغير دون حجج مقنعة ومبدأ المصلحة هو الذي يحكم ايضا سياسات الولايات المتحدة الخاصة بتطبيق قرارات منظمة الامم المتحدة فمطالبتها الراهنة للعراق وهي على حق في ذلك كما يؤكد المؤلف للامتثال للقرارات الدولية حول عودة المفتشين لاتجد ما يماثلها حول تطبيق اسرائيلي لقرارات الامم المتحدة حول الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967م واعتبار المستوطنات غير شرعية وعندما صرح شارون في ابريل 2002م بانه لن يناقش ابدا مسألة تفكيك المستوطنات لم نر اي تهديد امريكي له بفرض عقوبات ملزمة ويناقش المؤلف في الصفحات الاخيرة من الكتاب خطر التصريحات التي ادلى بها المستشار الالماني شرويدر ابان احداث 11 سبتمبر 2001 والمتعلقة بالدعم غير المحدود للولايات المتحدة وحيث كان شتروك رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في حينه قد ذهب ابعد حيث قال (كلنا امريكيون).
بوش الاب