توقع تقرير ان يواصل تأثير محدودية الزيادة في الأراضي الصالحة للزراعة ومشكلة التصحير الاقليمي والنقص بالمياه والافتقار الى البنية التحتية جراء عقود من نقص الاستثمار، في الحد من نمو الانتاج الزراعي في الآتي من السنين.
وأوضح تقرير لميريل لينش انه منذ أوائل 2008 يبدو التوازن بين العرض والطلب على المحاصيل الزراعية ضيقاً جداً في مقابل طلب مرتفع يعززه قوة الاقتصاد العالمي القوي ونمو السكان وكلاهما يدفعان بطلب المواد الغذائية الى فوق، في وقت ينافس قطاع الطاقة بتحويل بعض الانتاج الزراعي الى وقود عضوية.
وقال التقرير ان توسع صناعة الوقود العضوية مرشحة لأن تؤثر بحكم الواقع على كل ناحية من نواحي القطاع الزراعي، تمتد من الطلب على العلف، الى التجارة الدولية، الى توزيع الاراضي بين المزروعات. اما من ناحية العرض، من هنا، ورغم الغموض في التطلعات الاقتصادية الكلية، نبقى ايجابيين ازاء القطاع الزراعي . فالمخزون من الحبوب والبذور الزيتية باتت في مستويات متدنية جداً تاريخياً لجهة تغطية الطلب، الأمر الذي يدعم الأسعار ويؤدي الى حدّة تقلباتها . ان التوقعات الايجابية للمحاصيل الزراعية قد تحققت في ارتفاع الأسعار . فهذا أمر لم يمر دون ان يتنبه له المجتمع الاستثماري ويوليه الاهتمام المتنامي في 2007، ويعتبر المنتجات الزراعية صنفاً من الأصول يستحق ان يوظف فيه أمواله.
وتطرق التقرير الي قطاع الحبوب ويمثلهما الذرة والقمح بشكل اساس , وقال تراوحت أسعار الذرة ضمن نطاق واسع طيلة 2007 في أعقاب اعلان صدر في مارس من العام الماضي يشير الى ان هناك زيادة ضخمة من الاراضي المعدة للزراعة في الولايات المتحدة، غير ان الأسعار ابتدأت بالارتفاع في أكتوبر من السنة الماضية في أعقاب الانتعاش الذي حصل في أسعار الإيثانول. من هنا راح 30 بالمائة من مجموع استهلاك الذرة يتحول الى وقود من خلال تحويله الى كحول ويتوقع ان يظل الطلب على الذرة قوياً تدعمه التطلعات الايجابية ازاء الايثانول.
وطالما تتوسع أهمية الايثانول في اقتصاد الولايات المتحدة، يتزايد ارتباط الذرة بقطاع الطاقة . ويتوقع ان يؤثر هذا الترابط عالمياً في سوق الذرة إذ ان اميركا الشمالية وحدها تنتج نحو نصف محاصيل العالم من الذرة . كما ان صناعة الايثانول هي ايضاً في طور النمو السريع في الصين والاتحاد الاوروبي اللذين يأتيان مباشرة في المرتبة الثانية في الانتاج العالمي . ونظراً للمرونة المنخفضة نسبياً لأكثر سلع الطاقة، فإن أسعار الذرة مرشحة لأن تصبح أكثر عرضة لصدمات الطلب في المستقبل وفي نهاية الأمر لتزايد التقلبات.
في رأينا، ستكون المساحات المزروعة ذرة في مستويات عالية تاريخياً في ربيع هذا العام. فوزارة الزراعة الأميركية تتوقع في الوقت الراهن موسماً قياسياً يزيد على 30 مليار بوشل ( بوشل الذرة يوازي 25،4 كيلوغراماً ) اي 9 بالمائة أعلى من العام الماضي، ونتيجة لذلك، ورغم ان أسعار الذرة ستظل مدعومة من أسعار الطاقة المرتفعة، ستبقى السوق متوازنة في هذا العام . وفي الواقع، يرتقب ان يكون المخزون النهائي في آخر موسم 2007- 2008 حسب وزارة الزراعة الاميركية 10بالمائة من الاستهلاك الاجمالي، اي أقل بقليل من السنة الفائتة عندما كان المخزون 13بالمائة. ان تقديرات نيات ما سيزرعه الفلاحون والتي ستذيعها وزارة الزراعة الاميركية في ( مارس ) ستعطي فكرة أفضل عن كيف سيستجيب المعروض في المستقبل على الارتفاع الذي شهدناه مؤخراً بالأسعار.
وفي الوقت نفسه فان استعمال الذرة بالشخص الواحد حول العالم ازداد بثبات في العقود القليلة الماضية . فالاتجاه الطويل الأجل، المتأثر بالنمو الاقتصادي والسكن في المدن، أدى الى زيادات هائلة في استعمال الذرة عالمياً على مر السنين . ان مستويات المخزون المتدنية تاريخياً دعمت أسعار الذرة في السنوات الأخيرة . ولما كانت إمكانيات زيادة المعروض العالمي محدودة، نتوقع ان تظل الأسعار مرتفعة في الأمد الطويل من جراء الاختلالات البنيوية في القطاع الزراعي.
وارتفعت أسعار القمح بمعدل 130بالمائة خلال سنة جراء انتاج ضعيف في الولايات المتحدة في موسم 2006-2007 وبسبب رداءة الاحوال الجوية في اوروبا واوستراليا وكندا والصين . هذه الأسعار العالية حملت المزارع في الولايات المتحدة ليزيد المساحات المزروعة قمحاً في 2007-2008، الأمر الذي يزيد الانتاج 14بالمائة الى 2،067 مليار بوشل ( بوشل القمح يوازي 27،215 كيلوغراماً ) . غير ان مخزون القمح هو في ادنى مستوى بلغه في 60 عاماً ولا نتوقع ان يؤدي الموسم الوفير الى حصول زيادة في المخزون . ان الولايات المتحدة تصدّر نحو نصف انتاجها من القمح وبالنظر الى سلسلة من الصدمات السيئة في الطقس حول العالم، نتوقع طلباً قوياً على الصادرات الاميركية . يجدر بالذكر انه في السنوات الاخيرة، زاد الطلب العالمي القوي على القمح عن الانتاج، الأمر الذي أدى الى السحب من الانتاج العالمي. وتتوقع وزارة الزراعة الاميركية ان ينتهي عام 2007-2008 بمخزون شامل يقترب من 4 مليارات بوشل وهو أدنى مستوى يبلغه في 30 عاماً.
وخلص التقرير الى ان سوقاً في غاية الضيق تدعم مستوى السعر العالمي في القمح وليس هناك أمل في فرج مهم في الأسعار اذا لم يحصل اي نقص في الاستهلاك الشامل من جرّاء الانحسار الاقتصادي. وبالنظر الى توقع بعض الزيادة في المعروض الاميركي، يمكن ان تتدنى الاسعار موسمياً في النصف الاول من 2008. ثم، على نقيض السنتين الاخيرتين، لا نتوقع ارتفاعاً واسعاً في فترة النمو ابريل ومايو فإذا كان الطقس في اوروبا مواتياً، يمكن ان يحصل بعض الفرج في اواخر 2008 واوائل 2009.