وصل جنود الكتيبة الاولى من اللواء الـ11 الامريكي في الصباح . وكانت مهمتهم واضحة .
وصرح ضابط بالجيش الامريكي للصحفي سيمور هيرش صحفي التحقيقات الذي أماط اللثام عن القصة عام 1969 قائلا إن "الاوامر الصادرة (للجنود) كانت إطلاق الرصاص على أي شئ يتحرك".
وعندما انسحبت الكتيبة بعد ثلاث ساعات في ذاك اليوم المشئوم الموافق السادس عشر من مارس عام 1968 كانت قرية ماي لاي في الاراضي المرتفعة جنوب فيتنام قد سويت بالارض. ولم يعد ثمة شئ حي يتحرك في القرية.
وغطت الجثث المضرجة في دمائها من كل نوع الارض .. نساء وأطفال ومسنون بل وكلاب أيضا. وشوهدت أعمدة الدخان المنبعثة من الاكواخ عن بعد. أما جثث النساء الشابات فقد بدت بها آثار العنف الجنسي واضحة.
وتراوحت أعداد القتلى من الفيتناميين بين 347 و 504 أشخاص . ولم تطلق رصاصة واحدة على الجنود الامريكيين في الواقعة التي بدا في الجنود أشبه بأشخاص متعطشين إلى الدماء في مذبحة عمياء .
مر عام ونصف قبل أن يعرف الرأي العام الامريكى بأمر المذبحة بعد أن غطى الجيش الامريكي عليها.
في ذاك الوقت نوفمبر عام 1969 كانت المقاومة والاحتجاجات ضد الحرب قوية. وفجر الكشف عن مذبحة ماي لاي غضبا عارما في أنحاء الولايات المتحدة والعالم. وتمثل مذبحة ماي لاي بالنسبة لجيل كامل من الأمريكيين والأوروبيين والآسيويين نموذج الوجه الأمريكي القبيح.
كتبت مجلة تايم الامريكية عقب إماطة اللثام عن تفاصيل المذبحة تقول : "تحمل الضمير الأمريكي وضمير الأمريكيين وطأة الاحساس الثقيل بالذنب عما حدث في ماي لاي أمر لا فكاك منه".
شهد خريف عام 1969 مظاهرات احتجاجية ضخمة بمشاركة ملايين المواطنين من ساحل المحيط الاطلسي إلى ساحل المحيط الهادي بما في ذلك ربع مليون متظاهر في العاصمة واشنطن في أكبر احتجاج على الحرب في التاريخ الامريكي .
لكن الامر تطلب ست سنوات أخرى قبل أن يفر الأمريكيون أخيرا في هلع من سايجون على متن مروحيات من على اسطح ثكنات السفارة الامريكية في أبريل عام 1975.
وقعت أمريكا القوة العظمي في مستنقع الهزيمة والخزي والعار وهزمت في حرب عصابات في واحدة من جبهات الحرب الباردة على يد عدو فقير تكنولوجيا أقصى ما لديه طائرات الميج السوفيتية.
وبلغ عدد ضحايا الحرب التي امتدت 10 سنوات من الجانب الامريكي 58 الفا مقابل ما يتراوح بين مليونين وأربعة ملايين فيتنامي .
وأعرب احد أبرز مهندسي تلك الحرب والمدافعين عنها وزير الدفاع الامريكي السابق في الفترة من 1961 حتى عام 1968 روبرت ماكنمارا عن حزنه وهو يتذكر الماضي لكنه لم يبد ندما على الحرب وذلك في البرنامج الوثائقي "ضباب حرب" الذي أذيع عام 2003.
وفي مقابلة مع شبكة " سي إن إن" الاخبارية وصف ماكنمارا القرن العشرين بانه "أكثر القرون دموية في التاريخ الانساني كله" حيث راح 160 مليون شخص ضحية لصراعاته .
وتساءل ماكنمارا : "هل هذا ما نريده للقرن الـ 21 ؟ .. إذا كنا نريد أن نتحاشى ذلك فإن علينا أن نتعلم من أخطائنا في القرن الماضي. وقد كانت فيتنام واحدة من تلك الاخطاء".
ولم تندمل حتى الآن جراح الامريكيين النفسية العميقة من حرب فيتنام. ولا تزال الحرب والفشل الامريكي فيها منطبعين بقوة في الحالة النفسية الجماعية للشعب الامريكي . وما فتئت عشرات الافلام ومئات الكتب تنكأ تلك الجراح.
وكل تورط عسكري امريكي في الخارج تواكبه تحذيرات : " لا نريد فيتنام أخرى" هكذا صاح العام الماضي السيناتور ادوارد كنيدي واصفا العراق بأنه "فيتنام جورج بوش" .
وفي حرب الخليج الأولى عام 1990 تردد على نطاق واسع أن القادة الامريكيين أرسلوا جنودهم إلى المعركة ومعهم أوامر " لا نريد ماي لاي أخرى".
بيد انه في حرب العراق الثانية تحققت أسوا المخاوف بممارسات الاذلال والتعذيب التي مارسها الجنود الامريكيون في سجن أبو غريب ومعتقل جوانتانامو. وتحدثت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان عن "ماي لاي في العراق".