(1)
خاطب القرآن المرأة باعتبارها كائنا عاقلا مسؤولا محاسبا عن أفعاله وتصرفاته , وذلك تقديرا لما تملكه من قدرات تمكنها من التمييز بين الخير والشر , لأن حساب الإنسان وفقا لطاقاته وإمكاناته , فلا يحاسب الضعيف أو المريض أو ناقص العقل لعدم قدرته على التمييز , ولا يحاسب الأسير كما يحاسب الحر لعدم امتلاكه أمره.
ولا نجد في خطاب القرآن للمرأة تفضيلا لجنس على آخر , فقد ساوى الله بين الجنسين في خطابه:
(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض)
آل عمران/195 (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء /124 (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة , ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) النحل/97
هذه النصوص وغيرها كثير تخاطب المرأة باعتبارها مساوية للرجل في الحقوق والواجبات , فالمرأة مكلفة بما كلف به الرجل , من عبادات وتكاليف شرعية بعضها خاص بالمرأة لاختلاف طبيعتها ووظيفتها الاجتماعية وما هيئت له لأداء دورها في الحياة.
وتدل آية المبايعة على استقلالية المرأة في نظر الإسلام , ومسؤولياتها عن نفسها مسئولية خاصة مستقلة عن الرجل , لتدخل في الإسلام دون اشتراط موافقة ولي الأمر:
(يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن , ولا يزنين , ولا يقتلن أولادهن , ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن , ولا يعصينك في معروف فبايعهن , واستغفر لهن الله , إن الله غفور رحيم) الممتحنة
وقد ساوى الله سبحانه وتعالى بين المرأة والرجل في طلب العلم لأنه (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر:28
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة) دون أن يحدد ما إذا كان السالك, ما يعني أن المرأة مأمورة بالتزود بالعلم النافع الموصل الى معرفة الله , ومعرفة دينه , وبناء الإنسان القوي الذي يقع على عاتق المرأة في الدرجة الأولى , فالمؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف. هذه المساواة تضمن مساواة في الإنسانية , حصلت عليها المرأة بعد أن كانت مشيأة في عصور ما قبل الإسلام , في مختلف المجتمعات الإنسانية , لا قيمة لعقلها أو مشاعرها تباع وتشترى وتورث , وقد تحرم الأنثى حق الحياة , لكنها حصلت على المساواة بمنحة الإسلام , و دون احتجاج منها, أو ثورة تحريرية للتخلص من واقعها , كما فعلت نساء القرن الماضي اللواتي ثرن على ارتدادهن الى قاع الجاهلية , بسبب انحدار الحضارة العربية , وانتشار الجهل والتخلف , وضياع الدين في عتمة الأمية , لأن الخطاب القرآني قد كفى المرأة فعبر عما في نفسها , واحتج على ظلم المجتمع لها وذم العادات التي تظلم المرأة:
(وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت) التكوير 8,9 (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) النحل 58/59 (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) النساء /19
وأعطاها الحرية في اختيار شريك حياتها , وحقها في فسخ عقد الزواج في زمن كانت المرأة فيه تباع كسلعة , ولا يراعى لشخصيتها أي اعتبار , وأمر أن تكون المعاشرة بالمعروف , (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) , البقرة/ 228 هناك مساواة في الحقوق مناسبة مع طبيعة كل منهما , وقد منح الله الرجال درجة يفيد استخدام صيغة التنكير فيها (القلة) حيث لا تخل بالمساواة التي عبر عنها بلفظ صريح هو (مثل).
لم يمنع الإسلام المراة القادرة على خوض المعارك من المشاركة في الحروب , فبرزت نسيبة بنت كعب الأنصارية في (يوم أحد) شقت الصفوف حتى وصلت الى رسول الله تقاتل بين يديه , وتضرب بالسيف يمينا وشمالا حتى هابها الرجال , وأثنى عليها النبي (ما التفت يمينا وشمالا يوم أحد إلا وجدت نسيبة بنت كعب تقاتل دوني) كما أذن لها أبو بكر بالمشاركة في حروب الردة وخرجت مع المسلمين لقتال الفرس.
كما ارتبط اسم خولة بنت الأزور بموقعة أجنادين , وفيها التحم المسلمون بقيادة خالد بن الوليد بالروم بقيادة هرقل , وقد فاقت ببسالتها وشهامتها ما قام به الرجال وحاربت مستخفية لإطلاق سراح أخيها ضرار من الأسر وكانت مثار إعجاب الجنود المسلمين بشجاعتها وقوتها وبرزت في الجهاد أم حكيم بنت الحارث وهي ابنة أخت خالد بن الوليد , اخترقت إحدى المعارك مع الروم بعمود خيمة وقتلت العديد من المشركين.
لم يكتم الإسلام صوت المرأة ومنحها حق الخطاب والحوار بنص قرآني نزل في خولة بنت ثعلبة (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) المجادلة من 1ـ 4 واحترم رأيها ووثق بعدله فوجدت في الإسلام الفقيهة والمحدثة. وفي التاريخ الإسلامي أسماء مشهورة مثل الربيع بنت معوذ الفقيهة المحدثة , وعمرة بنت عبد الرحمن النجارية وأسماء بنت الفرات , وعائشة بنت طلحة وغيرهن بل وجدت الخطيبة البليغة أسماء بنت يزيد التي تبحث عن حقوق المرأة لقد تقدمت أسماء بنت يزيد النساء في وفد الى رسول الله وخاطبته وما انتهت من حديثها إلى رسول الله حتى التفت النبي الى الصحابة ثم قال: هل سمعتم بمقالة امرأة سائله في أمر دينها احسن من هذه فقالوا: لا يا رسول الله ..إذا عندما خاطبته أسماء بنت يزيد لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم معزولا منفردا وقد سمع الصحابة خطابها.
كما وجدت المعلمة في عهد رسول الله فالشفاء بنت عبد الله كانت تعلم الناس القراءة والكتابة وممن علمتهم حفصة بنت عمر وكان ابن الخطاب يقدمها بالرأي.
ولا ننسى الدور الذي لعبته السيدة خديجة بنت خويلد في مؤازرة الرسول صلى الله عليه وسلم ونصرة دين الله (آمنت إذا كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس , وواستني بمالها إذا حرمني الناس) فكانت أول من آمن بالله ورسوله وصدقت بما جاء فخفف الله بذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم , فكان لا يسمع شيئا يكرهه من الرد عليه فيرجع إليها إلا تثبته و تهون عليه أمر الناس.
هكذا هي المرأة المسلمة التي جعلتها تعاليم الإسلام قوية فعالة لا تتكل على الآخر وإنما ترقب أن تنال الأجر والثواب من الله , وتفرق من اليوم الآخر و الحساب لأنها ستخضع له مثلما يخضع الرجل تماما فهي مسؤولة مخيرة بين النجدين ولم يحمل الرجل عنها إثمها في اليوم الآخر.
@@ د. فاتن خليل محجازي