كن مرتاحا. دع لنا حلمك وسوف نعالجه بالتفسير. واتصل لاحقا لتستمع الى تفسير حلمك. ما عليك إلا أن توفر خدمة الـ"700" في هاتفك. وسعر الدقيقة الحلمية فقط أربعة ريالات. ويا بلاش. في مقابل أن ترتاح وتقبض على حلمك قبضا وتراه رأي العين يتحقق. فلتنم قرير العين هانيها ولتسمح لأحلامك بالانسياب رخية ندية، فثمة من يلقفها ويردها اليك واضحة جلية بعد غموضها، خالصة نقية بعد شربكتها.. ومعنا لا مشكلة، فقط أغمض عينيك عن فاتورة الهاتف، وادخل عالم الأحلام والرؤى العذبة الغريبة. ويكون جميلا أن تتمثل قول القائل:
فكبر للرؤيا وهش فؤاده
وبشر نفسا. كان قبل يلومها
طبعا مع استلام الفاتورة ذات دقيقة الأربعة ريالات سوف تتحول الأحلام الى كوابيس ثقيلة، تطير سابقاتها من التفسيرات الوردية النضرة. وما أكثر (العقال) في هذا الزمن الذي لا تنقضي لياليه الحافلات المثقلات بكل عجيبة، وليس بعجيب الأحلام وحدها، ولا بعجيب المتصدرين للتفسير والتأويل.
إذن، في هوجة البرامج التلفزيونية التي تنهمر بتفسير الأحلام ذات اليمين وذات الشمال حيث لا يستعصى حلم على التفسير والتخريج والتأويل؛ ومن منا لا يحب ألا يعرف الطريق الذي يسلكه. ومن منا لا يحب أن تفتح أمامه صفحة قدره المكتوب كما يقول عالم النفس (كارل يو نج).. مع هذا الانهمار اكتشف القوم (المفتحين الصاحين) سلعة رابحة رائجة، تعود بوفير المكسب على أصحابها. وليأخذ كل حالم ما يريد من الرضا والاطمئنان وراحة البال ونيل المنى. ولكل شيء ثمن. وليس غاليا مبلغ الريالات الأربعة (ومضاعفاتها) اذا ما هدأت النفس واستكانت وكف عنها ما يقلقها ووجدت صخرة راسية تنهي مشاكلها الليلية العاملة على تأريقها بسبب حلم غير معلوم والذي قد يتكرر ويتكرر.. والمبلغ ما هو خسارة وحلال عليهم!! هم يأخذون قلقنا، ويعطوننا الراحة.. ولن تتعدى المؤرقات الليلية بعد أن يزال غموضها، وينجاب الستار عنها ـ كما نشاهد في هذه البرامج ـ مشاكلنا وأمراضنا الاجتماعية والرغبات والآمال المدفونة:
الزواج، الولد المنتظر، الوظيفة، الترقية، التخرج، السفر المرتقب، القبول والتقدير (وفي المقابل: الحسد، والمطاردة).. هذه أغلب الموضوعات الحلمية التي تتشكل حسب منام كل شخص؛ طبقا لماتفرزه تجربته اليومية وما تمر به من أحداث؛ يكبتها ويخزنها وتنطلق في الحلم بأقنعة مموهة ورموز.. هذا يحلم بتراب غزير في داره فيبشره مفسر الأحلام بالمال القادم!!.. وهذه تحلم بحذاء...الخ.