متى يشعر الانسان بانه مهزوم من الداخل، وان كل مباهج الدنيا لم تفلح في زحزحة كابوس الانهزام الذي سيطر على كل جوانحه، وسربل كيانه بالقلق والتوتر والضيق؟حالات كثيرة لا يمكن حصرها تقذف بالانسان في هاوية الشعور بالهزيمة من الداخل، حتى وان أنبأ مظهره الخارجي بغير مايعتمل في ذاته من انفعالات نابعة من الشعور بتلك الهزيمة، واشد هذه الحالات قسوة ما يتعلق فيها بالنواحي الانسانية، لان العثرات المالية يمكن تجاوزها، اما الجراح الناتجة عن الصدمات في العلاقات الانسانية، فلا يمكن برؤها بسهولة، بل ان من هذه الجراح ما يتغور بدل ان يندمل بفعل الزمن، ويقدر حجم تلك العلاقات الانسانية تكون النتائج اكثر ايلاما وقسوة، عندما تتعرض تلك العلاقات لما يشوه صورتها الجميلة من تصرفات رعناء او سلوك غير سوي، فتكون خيبة الامل اساسا لذلك الشعور، بهزيمة الذات، التي رسمت آمالا كبارا، وشيدت صروحا من الثقة لم تلبث ان انهارت بعد ان تعرضت لرياح الغدر الهوجاء، وعواصف الخيانة المجنونة.وهذه حالة لا تتدرج عليها نظريات علم النفس الذي يقرن ضعف الاستجابة بفقدان عوامل تعزيز الاثارة لمشاعر معينة، ويرى ان معدل الاستجابة يهبط اذا تكرر غياب التعزيز، واعتقد ان جميع النظريات الخاصة بجميع العلوم الانسانية لم تتوصل الى تفسير هذه الحالة بالدقة المتناهية التي يمكن معها تجاوز الشعور بالهزيمة.وذلك كله لسبب قد يبدو بسيطا، وهو ان الانسان يظل ذلك اللغز الذي لم يكتشف بعد من الداخل على المستوى النفسي، وما قيل او يقال عن هذه الناحية يظل مجرد اجتهادات تتشبث بالعلم وتتمسح باذياله.حقا ان الانسان لا يتعلم بسهولة، ولكن عليه ان يحذر الا يلدغ من جحر مرتين. حتى لا يخمع امام العثرات في الطرق المتعرجة التي تحفل بها الحياة.