وهذا صحيح..
ان الحياة كما نراها هي قطعة تعبيرية إما ان تكتفي بقراءتها من الآخرين, او ان تكتبها بنفسك حرفا حرفا, جملة جملة وتضيف كل يوم اليها شيئا حتى تكون فصلا ثم تتسق لتكون قطعة معبرة من الوجدان والفكر والدم والعرق والفرح والدموع.
هذا لا يعني ألا نقرأ ما كتبه او يكتبه الآخرون.. انما ان نضيف شيئا الى وجودنا.. مهما كان الشيء صغيرا.. وعلي ان اقول لك كل ما تنجزه باستقلال عقلك وتحت نفسك وجهدك فسيبدو عظيما امامك وهذا يكفي!
على كل من يريد ان يكون في عين الحياة, ان يسجل موقفا في هذه الحياة. لذا فان الفكر الذي لا معنى له حتى نعرفه جميعا نقبله ام نعافه لا يعتبر فكرا بأي حال انما هلوسة ولو ظن صاحبها انها فتح الفتوح. الفكر الذي نفهمه هو هذا الفكر الذي يسجل موقفا ويبقى في الحياة بحجمه مهما اتسع ومهما ضاق.. لذا فان الافكار العبثية والتي سميت ميتافيزيقية لم تبق الا شخبطة على لوح تاريخ المسار الفكري البشري.. على ان الفكر المصاحب للموقف هو الذي يبقى خالدا بتفاعل البشر بالانتماء اليه ماديا او محاربته ماديا او شيء بينهما.. لذا كانت الرسالات السماوية اثرا خالدا لانها فكر مع موقف, ونقصد بهذا النوع هو هذا الخليط الذي يكون قابلا للتطبيق ومسهلا للتنفيذ.
وكانت المذاهب الفكرية المجردة صفحات في التاريخ بقيت ستاتيكا يتآكل مع الزمن, اما الافكار التي جبلت معها المواقف فهي التي ساهمت في دفع تيار النهر التاريخي الانساني بل هي التي صنعت منعطفاته, ومساراته, وجداوله, وفروعه.. لو بقي واصل بن عطاء فكرا مناهضا لمعلمه حسن البصري ولم يعتزل حلقته لما عرفنا هذا المذهب الذي احدث اعظم الاثر في تطور الحركة التاريخية الفكرية الاسلامية.. عرف المشهد التاريخي الفكري الاسلامي اعظم عقول المعرفة على مر كل العصور مثل ابن طفيل وابن رشد والفارابي والغزالي لكنهم لم يتركوا الا الحدث الستاتيكي الثابت, مفكرون ومصلحون مثل احمد بن حنبل والشافعي هم الذين بقوا على مر الازمان, نعرفهم كل يوم حق المعرفة وكأنهم معنا حاضرون, بل ان قوة حضورهم تتعدى كل المفكرين الذين هم حاضرون معنا الآن.