الدعوة إلى عدم التصادم في بيئة العمل دعوة لا أظن أن الكثير قادر على تلبيتها، لأنه ببساطة يثري بيئة العمل، ولكن تحميل الأمور ما لا تحتمل من قلب هذا التصادم إلى عداء شخصي بين متنافسين أو زميلين في بيئة العمل هو ما يمكنه أن يعطل مسيرة الإنتاج على مختلف الأصعدة، وهذا يجرنا إلى تساؤل بخصوص السبب الذي يجعلنا نشخصن أي نقاش، إلا أن الإجابة عن هذا التساؤل متعدد الأجوبة ومتشعب إلى درجة كبيرة، وأي مغامرة في المحاولة على الاجابة عن هذا التساؤل في مساحة تساوي مساحة هذا المقال تعتبر مغامرة غير محسوبة، لذلك سأحصر تعليقي على البيئة الجامعية ومن فيها من طلاب وموظفين وأعضاء هيئة التدريس، وهو مجتمع أعرفه جيدًا، هذا المجتمع يعتمد في أساسه على التناوب في إدارة المؤسسة التعليمية ولكن بطريقة تشاورية بواسطة المجالس التي تطرح فيها الآراء المختلفة من قبل أعضاء الهيئة التدريسية الذين يفترض أن لديهم من التدريب الكافي ليميزوا بين النقاش «المشخصن» وغيره من النقاشات، إلا أن الأمر يكون مستعصيًا في بعض الأحيان، لأن شخصنة النقاش واردة جدا في كل مناسبة.
لقد ذكرت آنفاً أننا لن نخوض في الأسباب التي تؤدي الى شخصنة النقاش، ولكن ربما لي تعليق على كيفية التخلص من معول الهدم هذا، وهو: شخصنة النقاش، أول شيء يمكنك عمله - في رأيي - هو الامتناع عن الاعتذار للخصم أثناء وبعد أي نقاش حاد؛ لأن الاعتذار يعزز الافتراض المسبق بأن هناك خطأ ما حصل من قبلك، وأنصح المتناقشين بعدم استخدام عبارات مثل: «أنا احترم وجهة نظرك وأنت تحترم وجهة نظري» أو «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية» وغيرها من العبارات التي هي في الأساس من المفترض العمل بها
وتبنيها في أي نقاش، فبمجرد التذكير بها يجعلك تدرك أن النقاش القائم ربما قد أخذ منحى آخر.
ما أطرحه هنا ربما يكون في محله لو كان موجهًا لبعض الأفراد الذين لم يحصلوا على تدريب من أي نوع في المسائل التي تتطلب مهارات نقدية أو تحليلية، لكن الأمر يصبح مؤسفًا إذا كنا مضطرين لتذكير بعض الزملاء الأكاديميين بأن يتمتعوا بشيء من التجرد والحياد عند الخوض في نقاش من أي نوع مع زملائهم والامتناع قدر الإمكان عن فهم أي طرح على أنه طرح يقصد منه الإساءة بأي شكل، لأنه من المفترض أن الأكاديميين بالذات قد حصلوا على تدريب أكثر من كافٍ على تقبل الرأي الآخر بكل تجرد.
[email protected]