DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

مرثية أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس

مرثية أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس
أبو الطيب صالح الرندي (الملقب بأبي البقاء الرندي) أمير وشاعر من الأندلس كان شاعرا بارزا، ومتعدد جوانب المعرفة والثقافة والأدب والنشاط، حيث عرف عنه عنايته وتأليفه في علم النصوص، والفرائض والحديث، وغيرها من العلوم الشرعية بالاضافة إلى جوانب أدبية مختلفة، وحين نذكر جوانبه المتعددة نقف على شخصية الرندي المسترسل الكاتب والناقد البلاغي، وهو يعد واحدا من نقاد الأندلس المتأخرين، وقد ألف كتابه النقدي (الوافي في نظم القوافي).
كانت الأندلس -منذ أوائل عهد المسلمين بها- ولاية تابعة للدولة الأموية التي عاصمتها دمشق، ثم انفصلت واستقلت منذ زمن عبدالرحمن بن معاوية (المعروف بعبدالرحمن الداخل) حيث انفصلت عن الدولة الأم وبدأ يتحدد مصيرها في مواجهة حركة الاستقلال الاسبانية التي بدأت صغيرة ثم نمت مع مرور الأيام، واستمرت كفة المسلمين راجحة طوال عهد بني مروان، ولما ضعفت دول الطوائف بسبب نشوب الفتن بينهم وذلك لأنهم أضاعوا الجهاد وأحلوا محله أطماعا اقليمية ضيقة لم تنفعهم تلك الأطماع بل كانت وبالا عليهم وعلى سلالتهم من بعدهم، وقد جنت الأندلس من جراء ذلك خسارة جسيمة، والذي على إثره استحلت دماء العرب والمسلمين في جسم الدولة والأرض الأندلسية على فترتين متعاقبتين وهما أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السابع حيث أدى ذلك التفكك إلى انهيار دولة الموحدين المفاجئ في كل من المغرب والأندلس، وقد أدى ذلك إلى تداعي الحكم الإسلامي وانحسار المسلمين في دولة غرناطة.
وقد استغلت دولة النصارى الاسبانية فترتين قلقتين في حياة الأندلس السياسية والعسكرية، الأولى فترة الشغور الأندلسي من السلطة الواحدة القوية في القرن الخامس نحو (425-479) حيث استطاع في هذه الأثناء ألفونسو السادس (الأذفونش كما يسميه العرب) أن يستغلب مدينة طليطلة المنيعة في وسط الأندلس مؤذنا بشرخ الخريطة الأندلسية ومنذرا بالتهام بلاد أخرى لا تقل عنها منعة وتحصينا.
أما الفترة الثانية فكانت بعد هزيمة العقاب (609) وانشغال الموحدين بخلافاتهم على السلطة وبنشاط أشياعهم من بني مربن الذين بدؤوا ينقضون سلطانهم لإقامة دول جديدة على أنقاضهم.
وقد تزامنت هذه الأحداث في الأندلس مع استعار الحرب الصليبية التي غزت الشرق العربي، وكان للأندلس منها نصيب حيث اعتبر البابا الحرب في الأندلس مقدسة لاستقلالها، واستغلوا نية التحريض على مدنها ودولها بشتى الوسائل، وبعد انهيار الأندلس الكبرى سقط معظم المدن الأندلسية العريقة والحصون الحصينة والمراكز الحضارية العظيمة، واستدرك بنو الأحمر في دولة غرناطة ما امكن وهم بين تماسك الشجاع ومداراة المغلوب.
وفي هذا القرن السابع الذي شهد المأساة الأندلسية ولد أبو البقاء الرندي وعاش وتوفي، لقد رأى وأدرك ما أصاب بنيان الأندلس العظيمة من التصدع والانهيار فبكى ما ضاع واستنهض الهمم لاسترجاعه.
اشتهر أبو البقاء (أبو الطيب الرندي) بقصيدة رثى فيها الأندلس بحسرة، رثى فيها المدن والبلدان والحصون والمناطق التي سقطت لزمانه، وهي قصيدة مؤثرة مشجية نابعة من حماسته الوطنية والدينية، فبكى ما ضاع من ديار قومه، وحرض على القتال والجهاد، واشتملت على وصف دقيق لتلك الحالة التي آل إليها حال الأسرى من الرجال والنساء السبيات، المغلوبين على أمرهم من المسلمين، والقصيدة شاملة ومؤثرة فيها الكثير من الحكم ومن العبر وسرد قصص الأولين التي مرت على العرب ما تدمع له العين ويخشع له القلب من شدة ما أصاب المسلمين من بلاء في الأندلس، كل ذلك بسبب التفكك والطمع فمن يعتبر؟
ولسان حال القصيدة يقول وهو يستنجد ببني مرين، وقبائل المرغوب وسامعي النداء من المسلمين وراء بحر الزقاق بعامة، ويدعو إلى الجهاد ويرثي ما ضاع من بلاد الأندلس فيقول:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتما كل سابغة
إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو
كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمن
وأين منهم أكاليل وتيجان
وأين ما شاده شداد في إرم
وأين ما ساسه في الفرس ساسان
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عاد وشداد وقحطان
أتى على الكل أمر لا مرد له
حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من ملك ومن ملك
كما حكى عن خيال الطيف وسنان
دار الزمان على "دارا" وقاتله
وأم كسرى فما أواه إيوان
كأنما الصعب لم يسهل له سبب
يوما ولا ملك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوعة
وللزمان مسرات وأحزان
وللحوادث سلوان يهونها
وما لما حل بالإسلام سلوان
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له
هوى له أحد وانهد ثهلان
أصابها العين في الاسلام فارتزئت
حتى خلت منه أقطار وبلدان
فاسأل بلنسية ما شان مرسية
وأين شاطبة أم أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم
من عالم قد سما فيها له شان
وأين حمص وما تحويه من نزه
ونهرها العذب فياض وملان
قواعد كن اركان البلاد فما
عسى البقاء إذا لم تبق أركان؟
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف
كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خالية
قد أسلمت ولها بالكفر عمران
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة
حتى المنابر ترثي وهي عيدان
يا غافلا وله في الدهر موعظة
إن كنت في سنة فالدهر يقظان
وماشيا مرحا يلهيه موطنه
أبعد حمص تغر المرء أوطان؟!
تلك المصيبة أنست ما تقدمها
وما لها مع طول الدهر نسيان
يا أيها الملك البيضاء رايته
أدرك بسيفك أهل الكفر لا كانوا
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة
كأنها في مجال السبق عقبان
وحاملين سيوف الهند مرهفة
كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراء البحر في دعة
لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلس
فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنو المستضعفين وهم
أسرى وقتلى فما يهتز إنسان
ماذا التقاطع في الإسلام بينكم
وأنتم يا عباد الله إخوان؟
ألا نفوس أبيات لها همم
أما على الخير أنصار وأعوان
يا من لذلة قوم بعد عزهم
أحال حالهم كفر وطغيان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم
عليهم من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم
لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يا رب أم وطفل حيل بينهما
كما تفرق أرواح وأبدان
وطفلة ما رأتها الشمس إذ برزت
كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة
والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
إن كان في القلب إسلام وإيمان