هذه الإيجابية المفرطة يمكنها أيضا أن تفقدنا الاتصال بالواقع، فيمكننا أن نعتقد أن كل الظروف من حولنا بقدرة قادر سوف تتهيأ وتتشكل لخدمتنا، وسوف تتحقق طموحاتنا الواحدة تلو الأخرى فقط لأننا تبنينا او تحولنا الى النظرة الإيجابية، مما قد يقودنا الى الاندفاع، وأي نقد أو انتقاد لهذا الاندفاع سيتم تنحيته جانبا بدافع الإيجابية، وأنا هنا أقول (بدافع) الإيجابية وليس (بحجة) الإيجابية، لأن من يتبنى الإيجابية المفرطة يؤمن بها إيمانا راسخا لا يتزعزع، وينظر الى أي نقد او انتقاد بأنه معول هدم أو أداة تعطيل.
لا يلام المرء في تبني الإيجابية حتى الإفراط، فاللفظ كله خير ويدعو الى التفاؤل، لكن، وبحسب ما يظهر لي أن ثنائية الإيجابية والسلبية أثرت على اللفظ الأول كثيرا وكأنك إن لم تكن إيجابيا فأنت سلبي، وهذا وغيره مؤشر على أن النقد ما زال في معية كل ما هو سلبي، الى درجة أنك تضطر الى أن تردف كلمة النقد بالإيجابية بطريقة أو بأخرى، فتقول: «نقد بناء او نقد إيجابي»، وهذا أمر خطير في الواقع، لأنه من ناحية يدفع الى تبني أو تقبل أي فكرة ترددها الأغلبية أو من لهم الصوت الأعلى بدافع الإيجابية، ومن ناحية أخرى يمنع تناول أي شيء بنقد بأي صورة كانت أن النقد في أساسه سلبي بحسب الفهم السائد.
الإيجابية المفرطة تجاه بعض القضايا من قبل بعض النخب تجعلك تتأمل في أحوال هذه النخب قليلا، فالكثير منهم ينفلت لسانه وقلمه إيجابية فهو لا يرى نورا في آخر النفق فقط، بل لا يرى النفق بأكمله، والان نرجع للكأس الممتلئ نصفه، ونطرح التساؤل التالي بأي دافع يمكن للمرء أن يسأل عن نصف الكأس الفارغ؟ وقياسا على ذلك يمكن للمرء أن يسأل السؤال الأشمل: هل يعتبر المرء الذي يتناول أي قضية بنقد شخصا سلبيا ممن يساهمون في تعطيل عجلة التقدم، أم أنهم يحسنون صنعا؟.
[email protected]