هناك قصص كثيرة عن أناس اختبروا بروز بُعد جديد من الوعي كنتيجة لتجربة قوية عاشوها في مرحلةٍ ما من حياتهم، فمنهم مَن خسر ممتلكاته، أو أشخاصًا مقربين جدًا، وبعضهم فقد قدراته الجسدية، أو موقعه الاجتماعي، أو سمعته، وفي بعض الحالات هنالك مَن خسروا كل شيء ليجدوا أنفسهم مع «اللا شيء»، ثم فجأة وبطريقة يتعذر تفسيرها يتلاشى ألمهم أو جزعهم الذي داهمهم بقوة في البداية، ليحل محله إحساس مُقدَّر وعميق بالرضا والسكينة، يجعلهم يستغربون هم أنفسهم من مشاعرهم ويتساءلون، في ظل حقيقة ما جرى لي، كيف يمكنني أن أشعر بمثل هذا السلام؟
لقد تلاشت كل الأقنعة، وماتت كل الأشكال المخادعة، وحدث انعتاق للكينونة من أي ارتباطات واهمة، وتحررت الروح من أسر المادة، وتجلى مفهوم اليقين بشكل عميق، ولكن ليس جميع مَن يختبر الخسارات يعيش مثل هذه اليقظة الروحية، فبعضهم يصنع سريعًا قناعًا جديدًا على شكل الضحية أو المظلوم أو المنتقم، وتجدهم يتماهون وبقوة مع خداع الشكل الجديد والعواطف التعيسة المصاحبة له، وسيتشبث الواحد منهم بقناعه السوداوي لدرجة يصعب اختراقها.
كلما حدثت خسارة ما، إما أن تقاوم وإما أن تستسلم، فبعضهم يصبح شديد السخط، وبعضهم يصبح حكيمًا متعاطفًا ومحبًّا مسالمًا، والتسليم يعني القبول الداخلي والانفتاح على درس الحياة، أما المقاومة فهي تقوية لغرور الأنا، وأي فعل تقوم به بمقاومة داخلية سيخلق مقاومة خارجية أقوى، ولن تعمل الأمور لصالحك، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، وإذا ما أغلقت النافذة، فلن يتمكن شعاع الشمس من الدخول، وحين تستسلم داخليًا فإن بُعدًا جديدًا من الوعي يتفتح بداخلك، وحينها تصبح الظروف والبشر مصدر عون لك، وتحدث التجليات والبركات.
LamaAlghalayini@