حتى الفرحة بالقرار وتنفيذه أراد البعض نزعها بجعل الأمر عاديًا ولا يستحق الاهتمام الذي أخذه في الإعلام وبين الناس. كذلك ظهر المشككون في دين وجنسية ووطنية وأخلاق من سوف تقود سيارتها. ارتبط الأمر بنصائح في الحشمة وشروط وتذكير لا آخر له.
لعل ما يفترض أن تعلمناه من أشهر من هذا كله هو ألا نبالي كثيرًا بما ينقل من آراء. فمع كثرتها أصبحت تغطي جميع التوجهات وبذلك تلغي بعضها البعض ليعود القرار أولًا وأخيرًا لصاحبة القرار. إن أرادت أن تقود قادت وإن لم ترد فلن يجبرها أحد.
أما تهويل الإعلام والبحث عن الإثارة فنأمل أن يعاقب لما له من سلبيات. فقبل أيام أصدرت صحيفة عاجل مقالًا بعنوان مثير عن تدني نسب النجاح في اختبار القيادة وكأن من تقدمن للاختبار يفوق عددهن ١٣ ألفًا ومن اجتزن هُن فقط ٦٧ في إحصائية مغلوطة. بينما كان عدد ١٣ ألفًا هو عدد اللواتي سجلن في مدرسة تعليم القيادة وما زلن ينتظرن التعليم.
ولا بد هنا أيضا من كلمة حق تقال حيث إنه في مقابل ما رأيناه من مضايقات، رأينا أيضا الكثير من الدعم والتشجيع والتثقيف المروري والترحيب من مؤسسات الدولة والأفراد وحتى الشركات. فالنصائح المفيدة مفيدة للرجال والنساء سواسية وقوانين التحرش والعقوبات الصارمة تخدم جميع فئات المجتمع.
إننا حاليا في طريق ممهد لتطبيع قيادة المرأة (normalization) لتصبح جزءًا عاديًا جدا ومقبولًا في حياتنا اليومية. فالتطبيع في النظريات الاجتماعية إجراء يصفه ميشيل فوكو (Michel Foucault) على أنه يتطلب وضع الأسس المثالية لشيء ما ومن ثم ممارسة «السلطة التأديبية» في عقاب من يخرج عن تلك الصورة المثالية. وها نحن اليوم نؤسس لممارسات مرورية سليمة ونشدد العقوبات على جميع من خالفها. مع التأكيد على أهمية تطبيع قيادة المرأة نسرع الإصلاح المروري.
قيادة المرأة تقربنا إلى مجتمع صحي تُمكَّن فيه المرأة وتُقَوى فيه الروابط الأسرية في إعادة للتوازن بين مسؤوليات الجنسين تجاه أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم. قد تشوب المرحلة الانتقالية بعض الشوائب وهذا طبيعي فالأخطاء واردة من الجميع. إلا أن ما هو مؤكد هو أن القيادة ليست مجالًا للتنافس بين الجنسين. طرقنا واسعة وتتسع للجميع ولكن يبقى علينا توسيع آفاقنا الفكرية.